سُئِلَ عَن حديث" كل مولود يولد على الفطرة."
ابن تيمية
- التصنيفات: أصول الفقه وعلومه -
السؤال: سُئِلَ عَن قَوله صلى الله عليه وسلم:
هل ذلك خاص أو عام.
وفي البهائم والوحوش هل يحييها اللّه يوم القيامة أم لا؟
ما معناه؟ أراد فطرة الخلق أم فطرة
الإسلام؟ وفي قوله: الحديث.هل ذلك خاص أو عام.
وفي البهائم والوحوش هل يحييها اللّه يوم القيامة أم لا؟
الإجابة: الحمد للّه؛ أما قوله صلى الله عليه وسلم: أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ
قَالُواْ بَلَى} [الأعراف:172] وهي السلامة من
الاعتقادات الباطلة، والقبول للعقائد الصحيحة.
فإن حقيقة الإسلام أن يستسلم للّه، لا لغيره، وهو معنى لا إله إلا اللّه، وقد ضرب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم مثل ذلك فقال: بين أن سلامة القلب من النقص كسلامة البدن، وأن العيب حادث طارئ.
وفي صحيح مسلم عن عياض بن حمار قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فيما يروي عن اللّه: ؛ ولهذا ذهب الإمام أحمد رضي اللّه عنه في المشهور عنه: إلى أن الطفل متى مات أحد أبويه الكافرين حكم بإسلامه؛ لزوال الموجب للتغيير عن أصل الفطرة.
وقد روى عنه، وعن ابن المبارك، وعنهما: أنهم قالوا: يولد على ما فطر عليه من شقاوة وسعادة.
وهذا القول لا ينافى الأول، فإن الطفل يولد سليما، وقد علم اللّه أنه سيكفر، فلابد أن يصير إلى ما سبق له في أم الكتاب، كما تولد البهيمة جمعاء، وقد علم اللّه أنها ستجدع.
وهذا معنى ما جاء في صحيح مسلم عن ابن عباس رضي اللّه عنهما قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم في الغلام الذي قتله الخضر: يعني: طبعه اللّه في أم الكتاب، أي: كتبه وأثبته كافرًا، أي أنه إن عاش كفر بالفعل.
ولهذا لما سئل رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عمن يموت من أطفال المشركين وهو صغير قال: أي: اللّه يعلم من يؤمن منهم ومن يكفر لو بلغوا، ثم إنه قد جاء في حديث إسناده مقارب عن أبي هريرة رضي اللّه عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فهنالك يظهر فيهم ما علمه اللّه سبحانه، ويجزيهم على ما ظهر من العلم وهو إيمانهم وكفرهم، لا على مجرد العلم.
وهذا أجود ما قيل في أطفال المشركين، وعليه تتنزل جميع الأحاديث .
ومثل الفطرة مع الحق، مثل ضوء العين مع الشمس، وكل ذي عين لو ترك بغير حجاب لرأى الشمس، والاعتقادات الباطلة العارضة من تهود وتنصر وتمجس، مثل حجاب يحول بين البصر ورؤية الشمس، وكذلك أيضًا كل ذي حس سليم يحب الحلو، إلا أن يعرض في الطبيعة فساد يحرفه حتى يجعل الحلو في فمه مرًا.
ولا يلزم من كونهم مولودين على الفطرة أن يكونوا حين الولادة معتقدين للإسلام بالفعل، فإن اللّه أخرجنا من بطون أمهاتنا لا نعلم شيئًا، ولكن سلامة القلب وقبوله وإرادته للحق، الذي هو الإسلام، بحيث لو ترك من غير مغير، لما كان إلا مسلمًا.
وهذه القوة العلمية العملية التي تقتضي بذاتها الإسلام ما لم يمنعها مانع، هي فطرة اللّه التي فطر الناس عليها.
وأما الحديث المذكور، فقد صح عن ابن مسعود أنه كان يقول: الشقي من شقى في بطن أمه، والسعيد من وعظ بغيره.
وفي الصحيحين عن عبد اللّه بن مسعود قال: حدثنا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق: .
وهذا عام في كل نفس منفوسة، قد علم اللّه سبحانه بعلمه الذي هو صفة له الشقي من عباده والسعيد، وكتب سبحانه ذلك في اللوح المحفوظ، ويأمر الملك أن يكتب حال كل مولود، ما بين خلق جسده ونفخ الروح فيه، إلى كتب أخرى يكتبها اللّه ليس هذا موضعها، ومن أنكر العلم القديم في ذلك فهو كافر.
وأما البهائم فجميعها يحشرها اللّه سبحانه كما دل عليه الكتاب والسنة. قال تعالى: {وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ} [الأنعام:38]، وقال تعالى: {وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ} [التكوير: 5]، وقال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِن دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاء قَدِيرٌ} [الشورى:29] وحرف [إذا] إنما يكون لما يأتي لا محالة.
والأحاديث في ذلك مشهورة، فإن اللّه عز وجل يوم القيامة يحشر البهائم ويقتص لبعضها من بعض، ثم يقول لها: كوني ترابًا، فتصير ترابًا.
فيقول الكافر حينئذ: {يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا} [النبأ:40].
ومن قال: إنها لا تحيا فهو مخطئ في ذلك أقبح خطأ، بل هو ضال أو كافر.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن تيمية - المجلد الرابع (العقيدة)
: فالصواب أنها فطرة اللّه التي فطر
الناس عليها، وهي فطرة الإسلام، وهي الفطرة التي فطرهم عليها يوم
قال: { فإن حقيقة الإسلام أن يستسلم للّه، لا لغيره، وهو معنى لا إله إلا اللّه، وقد ضرب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم مثل ذلك فقال: بين أن سلامة القلب من النقص كسلامة البدن، وأن العيب حادث طارئ.
وفي صحيح مسلم عن عياض بن حمار قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فيما يروي عن اللّه: ؛ ولهذا ذهب الإمام أحمد رضي اللّه عنه في المشهور عنه: إلى أن الطفل متى مات أحد أبويه الكافرين حكم بإسلامه؛ لزوال الموجب للتغيير عن أصل الفطرة.
وقد روى عنه، وعن ابن المبارك، وعنهما: أنهم قالوا: يولد على ما فطر عليه من شقاوة وسعادة.
وهذا القول لا ينافى الأول، فإن الطفل يولد سليما، وقد علم اللّه أنه سيكفر، فلابد أن يصير إلى ما سبق له في أم الكتاب، كما تولد البهيمة جمعاء، وقد علم اللّه أنها ستجدع.
وهذا معنى ما جاء في صحيح مسلم عن ابن عباس رضي اللّه عنهما قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم في الغلام الذي قتله الخضر: يعني: طبعه اللّه في أم الكتاب، أي: كتبه وأثبته كافرًا، أي أنه إن عاش كفر بالفعل.
ولهذا لما سئل رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عمن يموت من أطفال المشركين وهو صغير قال: أي: اللّه يعلم من يؤمن منهم ومن يكفر لو بلغوا، ثم إنه قد جاء في حديث إسناده مقارب عن أبي هريرة رضي اللّه عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فهنالك يظهر فيهم ما علمه اللّه سبحانه، ويجزيهم على ما ظهر من العلم وهو إيمانهم وكفرهم، لا على مجرد العلم.
وهذا أجود ما قيل في أطفال المشركين، وعليه تتنزل جميع الأحاديث .
ومثل الفطرة مع الحق، مثل ضوء العين مع الشمس، وكل ذي عين لو ترك بغير حجاب لرأى الشمس، والاعتقادات الباطلة العارضة من تهود وتنصر وتمجس، مثل حجاب يحول بين البصر ورؤية الشمس، وكذلك أيضًا كل ذي حس سليم يحب الحلو، إلا أن يعرض في الطبيعة فساد يحرفه حتى يجعل الحلو في فمه مرًا.
ولا يلزم من كونهم مولودين على الفطرة أن يكونوا حين الولادة معتقدين للإسلام بالفعل، فإن اللّه أخرجنا من بطون أمهاتنا لا نعلم شيئًا، ولكن سلامة القلب وقبوله وإرادته للحق، الذي هو الإسلام، بحيث لو ترك من غير مغير، لما كان إلا مسلمًا.
وهذه القوة العلمية العملية التي تقتضي بذاتها الإسلام ما لم يمنعها مانع، هي فطرة اللّه التي فطر الناس عليها.
وأما الحديث المذكور، فقد صح عن ابن مسعود أنه كان يقول: الشقي من شقى في بطن أمه، والسعيد من وعظ بغيره.
وفي الصحيحين عن عبد اللّه بن مسعود قال: حدثنا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق: .
وهذا عام في كل نفس منفوسة، قد علم اللّه سبحانه بعلمه الذي هو صفة له الشقي من عباده والسعيد، وكتب سبحانه ذلك في اللوح المحفوظ، ويأمر الملك أن يكتب حال كل مولود، ما بين خلق جسده ونفخ الروح فيه، إلى كتب أخرى يكتبها اللّه ليس هذا موضعها، ومن أنكر العلم القديم في ذلك فهو كافر.
وأما البهائم فجميعها يحشرها اللّه سبحانه كما دل عليه الكتاب والسنة. قال تعالى: {وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ} [الأنعام:38]، وقال تعالى: {وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ} [التكوير: 5]، وقال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِن دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاء قَدِيرٌ} [الشورى:29] وحرف [إذا] إنما يكون لما يأتي لا محالة.
والأحاديث في ذلك مشهورة، فإن اللّه عز وجل يوم القيامة يحشر البهائم ويقتص لبعضها من بعض، ثم يقول لها: كوني ترابًا، فتصير ترابًا.
فيقول الكافر حينئذ: {يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا} [النبأ:40].
ومن قال: إنها لا تحيا فهو مخطئ في ذلك أقبح خطأ، بل هو ضال أو كافر.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن تيمية - المجلد الرابع (العقيدة)