سُئِلَ عن سؤال منكر ونكير الميت إذا مات
ابن تيمية
- التصنيفات: العقيدة الإسلامية -
السؤال: سُئِلَ شَيْخُ الإسْلاَم رَحمهُ اللَّهُ تَعَالَى عن سؤال منكر ونكير
الميت إذا مات تدخل الروح في جسده ويجلس ويجاوب منكراً ونكيراً،
فيحتاح موتًا ثانياً؟
الإجابة: عود الروح إلى بدن الميت في القبر ليس مثل عودها إليه في هذه الحياة
الدنيا، وإن كان ذاك قد يكون أكمل من بعض الوجوه، كما أن النشأة
الأخرى ليست مثل هذه النشأة، وإن كانت أكمل منها، بل كل موطن في هذه
الدار وفي البرزخ والقيامة له حكم يخصه؛ ولهذا أخبر النبي صلى الله
عليه وسلم: أن الميت يُوَسَّع له في قبره ويُسأل ونحو ذلك، وإن كان
التراب قد لا يتغير فالأرواح تعاد إلى بدن الميت وتفارقه.
وهل يسمى ذلك موتاً؟ فيه قولان:
قيل: يسمى ذلك موتاً، وتأولوا على ذلك قوله تعالى: {رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ} [غافر: 11]: قيل إن الحياة الأولى في هذه الدار، والحياة الثانية في القبر.
والموتة الثانية في القبر، والصحيح أن هذه الآية كقوله:{ وَكُنتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ} [البقرة: 28]، فالموتة الأولى قبل هذه الحياة، والموتة الثانية بعد هذه الحياة.
وقوله تعالى: {ثُمَّ يُحْيِيكُمْ} بعد الموت.
قال تعالى: {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى} [طه: 55]، وقال: {قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ}[الأعراف: 25]، فالروح تتصل بالبدن متى شاء اللّه تعالى، وتفارقه متى شاء اللّه تعالى، لا يتوقت ذلك بمرة ولا مرتين، والنوم أخو الموت.
ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول إذا أوى إلى فراشه: ، وكان إذا استيقظ يقول: ، فقد سمى النوم موتًا، والاستيقاظ حياة.
وقد قال تعالى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} [الزمر: 42]، فبين أنه يتوفى الأنفس على نوعين: فيتوفاها حين الموت، ويتوفى الأنفس التي لم تمت بالنوم، ثم إذا ناموا فمن مات في منامه أمسك نفسه، ومن لم يمت أرسل نفسه.
ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أوى إلى فراشه قال: .
والنائم يحصل له في منامه لذة وألم، وذلك يحصل للروح والبدن، حتى إنه يحصل له في منامه من يضربه، فيصبح والوجع في بدنه، ويرى في منامه أنه أطعم شيئًا طيبًا، فيصبح وطعمه في فمه وهذا موجود.
فإذا كان النائم يحصل لروحه وبدنه من النعيم والعذاب ما يحس به والذي إلى جنبه لا يحس به حتى قد يصيح النائم من شدة الألم، أو الفزع الذي يحصل له ويسمع اليقظان صياحه، وقد يتكلم إما بقرآن، وإما بذكر، وإما بجواب.
واليقظان يسمع ذلك وهو نائم، عينه مغمضة، ولو خوطب لم يسمع فكيف ينكر حال المقبور الذي أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أنه يسمع قرع نعالهم، وقال: .
والقلب يشبه القبر؛ ولهذا قال صلى الله عليه وسلم لما فاتته صلاة العصر يوم الخندق: ، وفي لفظ: وفرق بينهما في قوله: {بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ} [العاديات: 9-10] وهذا تقريب و تقرير لإمكان ذلك.
ولا يجوز أن يقال: ذلك الذي يجده الميت من النعيم والعذاب، مثلما يجده النائم في منامه، بل ذلك النعيم والعذاب أكمل وأبلغ وأتم وهو نعيم حقيقي وعذاب حقيقي، ولكن يذكر هذا المثل لبيان إمكان ذلك، إذا قال السائل: الميت لا يتحرك في قبره، والتراب لا يتغير، ونحو ذلك، مع أن هذه المسألة لها بسط يطول، وشرح لا تحتمله هذه الورقة، واللّه أعلم.
وصلى اللّه على محمد وآله وصحبه وسلم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن تيمية - المجلد الرابع (العقيدة)
وهل يسمى ذلك موتاً؟ فيه قولان:
قيل: يسمى ذلك موتاً، وتأولوا على ذلك قوله تعالى: {رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ} [غافر: 11]: قيل إن الحياة الأولى في هذه الدار، والحياة الثانية في القبر.
والموتة الثانية في القبر، والصحيح أن هذه الآية كقوله:{ وَكُنتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ} [البقرة: 28]، فالموتة الأولى قبل هذه الحياة، والموتة الثانية بعد هذه الحياة.
وقوله تعالى: {ثُمَّ يُحْيِيكُمْ} بعد الموت.
قال تعالى: {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى} [طه: 55]، وقال: {قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ}[الأعراف: 25]، فالروح تتصل بالبدن متى شاء اللّه تعالى، وتفارقه متى شاء اللّه تعالى، لا يتوقت ذلك بمرة ولا مرتين، والنوم أخو الموت.
ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول إذا أوى إلى فراشه: ، وكان إذا استيقظ يقول: ، فقد سمى النوم موتًا، والاستيقاظ حياة.
وقد قال تعالى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} [الزمر: 42]، فبين أنه يتوفى الأنفس على نوعين: فيتوفاها حين الموت، ويتوفى الأنفس التي لم تمت بالنوم، ثم إذا ناموا فمن مات في منامه أمسك نفسه، ومن لم يمت أرسل نفسه.
ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أوى إلى فراشه قال: .
والنائم يحصل له في منامه لذة وألم، وذلك يحصل للروح والبدن، حتى إنه يحصل له في منامه من يضربه، فيصبح والوجع في بدنه، ويرى في منامه أنه أطعم شيئًا طيبًا، فيصبح وطعمه في فمه وهذا موجود.
فإذا كان النائم يحصل لروحه وبدنه من النعيم والعذاب ما يحس به والذي إلى جنبه لا يحس به حتى قد يصيح النائم من شدة الألم، أو الفزع الذي يحصل له ويسمع اليقظان صياحه، وقد يتكلم إما بقرآن، وإما بذكر، وإما بجواب.
واليقظان يسمع ذلك وهو نائم، عينه مغمضة، ولو خوطب لم يسمع فكيف ينكر حال المقبور الذي أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أنه يسمع قرع نعالهم، وقال: .
والقلب يشبه القبر؛ ولهذا قال صلى الله عليه وسلم لما فاتته صلاة العصر يوم الخندق: ، وفي لفظ: وفرق بينهما في قوله: {بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ} [العاديات: 9-10] وهذا تقريب و تقرير لإمكان ذلك.
ولا يجوز أن يقال: ذلك الذي يجده الميت من النعيم والعذاب، مثلما يجده النائم في منامه، بل ذلك النعيم والعذاب أكمل وأبلغ وأتم وهو نعيم حقيقي وعذاب حقيقي، ولكن يذكر هذا المثل لبيان إمكان ذلك، إذا قال السائل: الميت لا يتحرك في قبره، والتراب لا يتغير، ونحو ذلك، مع أن هذه المسألة لها بسط يطول، وشرح لا تحتمله هذه الورقة، واللّه أعلم.
وصلى اللّه على محمد وآله وصحبه وسلم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن تيمية - المجلد الرابع (العقيدة)