هل النصيحة للوالدين تعد عقوقًا؟
خالد عبد المنعم الرفاعي
- التصنيفات: الأدب مع الوالدين -
زوجتي تُعاني من تَجاهل والدتي لها، وتدليل والدتي لزوْجة أخي الأصغر دونها، وتطلب منِّي أن أنصَح والدتي بضرورة المساواة بيْنهما، فهل نصيحتي لوالدتي تُعَدُّ عقوقًا؟ وماذا أفعل إن لم تنتصِح أمي؟ وهل إذا منعتُ زوجتي من الذَّهاب إلى أمِّي تجنُّبًا للمشاكل أكون قاطعًا للرَّحِم؟
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:
فنُصح الوالديْن ليس من العقوق في شيء، بل هو من جُملة الإحسان إليْهِما: دعوتهما إلى الحق، وإرشادهما للخَير، وجلب المنفعة إليهما، وتحذيرهما من المعصية، وممَّا يُشيع البغضاء، وإنَّما يتعيَّن على الأبناء في نصْحِهما: الرِّفْقُ، والشَّفقة الزَّائدة، والإحسان، والتحبُّب، مع الأدب الجمّ، وسلوك أحسن الطُّرُق وأرقِّ الأساليب، والحذر من الوقوع في التَّخْشين، أو فيما نَهى الله عنه؛ يقول الله تعالى: {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً} [الإسراء: 23]، عندما يأمرهما بِمعروف أو ينهاهما عن منكر.
فالوالدانِ من جُملة من أمر الله بأمرِهِم بالمعروف ونهْيِهم عن المنكر، ووجوب برِّهما وطاعتهما لا يمنع من نفعهما بالنصح.
سُئِل الحسن عن الولد يَحتسب على الوالد، قال: "يعِظُه ما لم يغضب، فإن غضِب سكت عنه"؛ كما قال الغزالي في "إحياء علوم الدين".
قال ابن مفلح في "الآداب الشرعيَّة": قال أحمد في رواية يوسف بن موسى: "يأمر أبويْه بالمعروف وينهاهما عن المنكر"، وقال في رواية حنبل: "إذا رأى أباه على أمر يكرهه يعلِّمُه بغير عنْف ولا إساءة، ولا يغلظ له في الكلام وإلاَّ تركه، وليس الأب كالأجنبي"، وقال في رواية يعقوب بن يوسف: "إذا كان أبواه يبيعان الخمر لم يأكُل من طعامهم وخرج عنهم"، وقال في رواية إبراهيم بن هانئ: "إذا كان له أبوان لهما كرم يعصران عنبه، ويجعلانِه خمرًا يسقونه، يأمرهم وينهاهم، فإن لم يقبلوا خرَج من عندهم ولا يأوي معهم"؛ ذكره أبو بكر في "زاد المسافر".
وذكر المرّوذي أنَّ رجُلاً من أهل حمص سأل أبا عبدالله: أنَّ أباه له كروم يُريد أن يعاونه على بيعها، قال: "إن علمت أنَّه يبيعها ممَّن يعصرها خمرًا، فلا تعاونه".
أمَّا إذا لم تكفَّ الأم عن ذلك، فاستمرَّ أنت وزوجتُك في برِّها والإحسان إليْها؛ فللمعاملة الحسنة سرٌّ غريب في صلاح القُلوب؛ قال تعالى: {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} [فصلت: 34]، وروى مسلم عن أبي هريرة: أنَّ رجُلاً قال: يا رسول الله، إنَّ لي قرابة أصِلُهم ويقطعوني، وأُحْسِن إليهم ويسيئون إليَّ، وأحلم عنهم ويجهلون عليَّ، فقال: « ».
ولمزيد فائدة راجع الفتويين: "قطيعة الرحم"، "حق الأخت على أخيها"،،
والله أعلم.