معنى حديث الولد من كسب أبيه
خالد عبد المنعم الرفاعي
- التصنيفات: شرح الأحاديث وبيان فقهها - الأدب مع الوالدين - استشارات تربوية وأسرية -
هل الأب الذي لا يعلِّم ابنه أمور الدِّين، ويقِف عقبة في طريقِه والتزامِه بشرْع الله، ويهمِلُه تمامًا، ثمَّ بفضْل الله دون أي تدخُّل من الأب يَصير الولد صالحًا، هل نقول للولد: إنَّه من كسْب أبيه، وأنَّ جميع حسناتِه في ميزان حسنات ذلك الأب المفرِّط؟
أم أنَّ هذا الحديث تَجري عليْه ضوابط أخرى مثل: الدَّال على الخير كفاعلِه، والنّيَّة في العمل، وأمور أخرى؟
أم أنَّه على ظاهرِه يشمل كلَّ والدٍ، سواء أصلح ولده أم أهمله، وبذلك يستوي العامل وغيرُه، والمجتهد وغيرُه؛ لاشتِراكِهِم في علَّة واحدة، هي أنَّه السَّبب في إيجادِه؟
أفيدونا وجزاكُم الله خيرًا.
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:
فلا نعلم دليلاً صحيحًا يُفيد أنَّ الأب يُكْتَب له مثلُ ما يعمل ابنُه من أعْمال صالحة، إلاَّ أن يَكون هو مَن دلَّه على الخير، أو دعَاه إلى الهدى، من تعليم علم، أو عبادةٍ، أو أدبٍ، أو ما شابه.
وأمَّا قولُه - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: « »؛ رواه أحمد والتِّرْمذي.
فمعناه: إنَّ أطيب أكلِكم بما كسبتموه بغير واسطة، أو بواسطة من كسْب أولادِكم؛ فالولد لمَّا كان كسْبَ أبيه وزرْعه، فللأب أن يأخُذ من مال ابنِه ما لا يضرُّ به، وأنَّ مال الابن مباحٌ للأب وملكٌ له، وأنَّ للأب أن يستخدِم الولد ما لَم يضرَّ به، وفيه أيضًا وجوب طاعةِ الابْن للأب، إذا كان العمل مباحًا لا يضرُّ بالابن.
فالحديثُ مطابقٌ لقولِه - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: « »، وهُو مطابق لقولِه تعالى: {مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ} [المسد: 2]، وهُم ولدُه؛ كما فسَّره ابنُ عبَّاس ومجاهدٌ وغيرُهُما.
وأكَّد شيخ الإسلام في "مجموع الفتاوى": " أن قوله تعالى: {وَمَا كَسَبَ} يَتَناول ولده؛ كما في الحديث: « »، واستدلَّ بها على جواز الأكْل من مال الولَد.
وقال المناوي في "فيض القدير": "لأنَّ ولد الرجُل بعضه، وحكم بعضه حكم نفسه، ويسمَّى الولد كسبًا مجازًا؛ وذلك لأنَّ والده سعى في تَحصيله، والكسْب: الطَّلب والسَّعي في الرزق، ونفقةُ الأصْل الفقير واجبةٌ على فرعِه عند الشَّافعي - رضِي الله عنْه.
والحديث أيضًا يدلُّ على أنَّ الابنَ أوْلى بأبيه بعد موتِه في أن يدعُو له، ويعمل له أعمالاً صالحة وما شابه؛ وقد ثبت في صحيح مسلم، عن أبي هُرَيْرة - رضِي الله عنْه - عن النَّبيِّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم - أنَّه قال: « ».
قال شيخ الإسلام في "مجموع الفتاوى": "فذكر الولدَ، ودعاؤه له خاصَّين؛ لأنَّ الولد من كسبِه كما قال: {مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ} [المسد: 2]، قالوا: إنَّه ولده، وكما قال النَّبيُّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: « »، فلمَّا كان هو السَّاعي في وجود الولَد، كان عملُه من كسبه، بخلاف الأخ والعمِّ والأبِ ونحْوهم، فإنَّه ينتفِع أيضًا بدُعائهم، بل بدعاء الأجانب، لكن ليس ذلك من عمله.
والنَّبيُّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم - قال: « »، لم يقُل: إنَّه لَم ينتفع بعمل غيرِه، فإذا دعا له ولدُه، كان هذا من عملِه الَّذي لم ينقطِع، وإذا دعا له غيرُه، لم يكُن من عملِه؛ لكنَّه ينتفع به".
وعليْه؛ فما يفعلُه الولد الصَّالح من الأعْمال الصَّالحة، فإنَّ لوالديْه مثلَ أجرِه إن كان الأبُ هو مَن دلَّه على الخير؛ لقولِه - صلَّى الله عليه وسلَّم -: « ».
وقوله - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: « ».
أمَّا إن كان الأب لم يُرْشِد الابن إلى الخير، ولَم يُعلمه أمور الدِّين، فلا نستطيع الجزْم أنَّ الأب يأخُذ أجرًا على أعمال ابنِه الصَّالحة؛ لعدم وجود دليل عليه.
وأما الأب الذي يقِف عقبة في طريق التزامِ ابنه بشرْع الله، أو يهمِلُه تمامًا، فهذا له وزر أمثاله ممن يصدون عن سبيل الله، مع ما يلحقه من إثم التفريط من التربية التي أمره الله بها، والشريعة طافحة بهذا، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم: 6]، وقال: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى} [طه : 132].
وفي "الصَّحيحين عن عبدالله بن عمر يقول: سمعتُ رسول الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - يقول: « »،،
والله أعلم.