ما حكم الزواج بدون ولي؟ وما حكم المولود من هذا الزواج؟

منذ 2015-11-20
السؤال:

السَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته،

الحمدُ لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:
لقد تزوَّج ابني الكبير من امرأةٍ بدون علْمي أو علم والدتِه، وكان عقد النِّكاح بدون ولي للمرْأة، وتمَّ عقْد النِّكاح لدى شيخ الجالية التي تتبع لها هذه المرأة؛ حيث إنَّها من الجنسيَّة الأثيوبيَّة، علمًا بأنَّه توجد محاكم شرعيَّة بالبلد الَّذي يقيم فيه ابني والمرْأة التي تزوَّجها، كما أنَّ الشهود على العقد وهم أبناء أخواتِي غير مشهود لهم بالاستِقامة، ويفعلون المنكَرات، ولا يصلُّون.

وعلمت منْه أنَّها زوَّجت نفسَها ولم يقم شيخ الجالية بالاتِّصال بأهلها، فقد اعتمد على قبولها فقط، علمًا بأنَّ والدَها وأهلها جميعًا موجودون بأثيوبيا، وحسب علمي أنَّه هناك إجراءات رسميَّة في مثل هذه الحالات تتمُّ عن طريق سفارة الزَّوجة لأخذ موافقة وليِّها، وحملتِ المرأة منْه، ومن ثمَّ قام بتسفيرِها للولادة لدى أهلِها، وبعد بلوغ حملِها الشَّهر الثَّامن جاء وأخبرني بأنَّه متزوِّج، وأبرزَ لي عقد النكاح الصَّادر من أثيوبيا من المحكمة الشَّرعيَّة، بخلاف العقْد الَّذي تمَّ لدى شيخ الجالية، حيث قامت المرأة بإصْدار عقْد آخَر من المحْكمة الشَّرعيَّة بأثيوبيا بموجب العقْد الَّذي تمَّ كتابتُه لدى شيخ الجالية، وأخبرني بأنَّه قام بتوكيل أحد أهلِ المرأة وكيلاً عنْه، وبعد شهر أتمَّت المرْأة حملَها ووضعتْ مولودًا، ثمَّ جاء وأخبرنِي بأنَّ زوجتَه وضعتْ مولودًا (ولد)، فلم أُبارِك له، لا الزَّواج ولا الموْلود، ولَم أشعُر بأيّة فرحة تِجاه ذلك، بل كنتُ في غاية الضِّيق لأنَّ زواجه باطل - والله أعلم - لأنَّه تمَّ بدون وليٍّ للمرأة، وبشهود بعيدين كلّ البعد عن الدين. 

لذا أفيدوني: ما هو الحكم الشَّرعي في العقْد بدون وليٍّ للمرْأة، وبدون علمي أنا والده ووالدته، وشهادة شهود غير مستقيمين ولا يصلُّون ويفعلون الفواحش؟

وأيضًا: ما هو الحكم الشَّرعي بالنِّسْبة لهذا المولود الَّذي وُلِد؟ وهل هو شرعي؟

لذا أفيدوني بالتَّفصيل عن كلِّ ما ذكرتُه، وجزاكم الله عنَّا خيرًا، وأرجو الرَّدَّ على بريدي الإلكتروني، والسلام عليكم.

الإجابة:

الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:

فقد سبق أن بيَّنَّا أنَّ الزَّواج بغير وليٍّ وشاهدَي عدْل باطل، وأنَّ المرأة لا تملك أن تُزَوِّجَ نفسها، في الفتاوى وما أحيل عليْه فيها: "حكم زواج السر"، و"تزويج المرأة لنفسها"، و"تزوج الكفيل من العاملة المنزلية بغير ولي" و"مَنْ وليُّ المرأة في النكاح".

إلاَّ أنَّنا ذكرنا في فتوى: "دفاعًا عن المفتي!" ، أنَّ جُمْهُور أهل العلْم القائلين باشتِراط الولي قالوا: إنَّه نكاح شُبْهَة، فيدرأ به الحدّ، ويثبت به النَّسب إجماعًا؛ لأنَّه إمَّا أن يكون وطئًا صحيحًا، أو وطئًا بشبهةٍ، هذا إذا تَوَلَّى هذا العَقْدَ المذكورَ غَيْرُ الحاكِمِ أو نائِبِه، فإذا تولاَّه الحاكم أو نائبه، فإنَّه لا يُنْقَضُ.

قال ابن قدامة - الحنبلي - في "المغني" - بعد أن ذكر أنَّ النِّكاح لا يصح إلاَّ بولي -: "فإن حَكَمَ بصحَّة هذا العقدِ حاكِمٌ، أو كان المُتَوَلِّي لعقْده حاكمًا - لم يَجُزْ نَقْضُه، وكذا سائِرُ الأنكِحة الفاسدةِ".

وقال الإمام النَّووي - الشَّافعي - في "المهذَّب": "فَإِنْ عُقِدَ النِّكاحُ بغير ولي وحَكَمَ به الحاكمُ، ففيه وجهان، أحدُهما: أنَّه ينقض حكمه؛ لأنَّه مُخالف لنصِّ الخبر، الثاني: أنه لا يُنقض، وهو الصحيح؛ لأنَّه مختلف فيه". 

وقال خليل بن إسحاق - المالكي - في مختصره: "ونَقْلُ مِلْكٍ، وفَسْخُ عَقْدٍ، وتقرُّرُ نكاح بلا وليٍّ - حُكْمٌ؛ أي: فيرتفع به الخلافُ إن وقَعَ مِمَّنْ يراه".

قال في "منح الجليل" شارحًا لقول خليل: "ثمَّ بيَّن ما يعدُّ حكمًا رافعًا الخلاف، فقال: (ونَقْل) بفتْح النون وسكون القاف (مِلْكٍ) بكسْر فسكون؛ أي: قول القاضي: نقلتُ ملك الشيء المتنازع فيه من فلان إلى فلان المتنازعَين فيه، حكمٌ منْه رافع الخلاف، (وفَسْخ) بفتح فسكون (عَقْد) - بفتح فسكون - لنِكاح أو بيع أو إجارة أو غيرها، متنازع فيه؛ أي: قوله: فسختُ هذا العقد، حكمٌ كذلك، (وتَقَرُّر) بفتح الفوقيَّة والقاف وضمّ الراء مثقَّلاً؛ أي: تقرير (نكاح) امرأة زوجت نفسَها (بغير ولي)؛ أي قوله: قرَّرتُه (حكم) رافع للخلاف.

خبر "نقل" وما عطف عليه، وأراد المصنِّف بتقْريره ما يشمل سكوتَ الحنفي عنْه حين رفع له، وعدم حكمِه بإثبات ولا نفي". اهـ.

وعليه؛ فما دام الحال كما ذكرتَ: أنَّ المحكمة الشَّرعيَّة بأثيوبيا حكمتْ بصحَّة عقْد النكاح، فالابن ينسب لأبيه، ولكن على ولدك - أن يذهب لوليِّ تلك المرأة، أو يتَّصل به إن تعذَّر السَّفر، ويجدِّد معه العقْد النكاح، لأن الأول عقد فاسد.   

أمَّا زواج الرَّجُل بدون علم والديْه، فهو وإن كنَّا لا ننصح به، وهو ممَّا لا يليق، ولا ينبغي للابن أن يفعله، إلاَّ أنَّه إن تمَّ مستوفيًا للشُّروط يكون صحيحًا، وراجع فتوى: "حكم الزواج بدون موافقة الوالدين"،،

والله أعلم.

خالد عبد المنعم الرفاعي

يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام

  • 20
  • 3
  • 309,522

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً