أعظم نعم الله تعالى على عباده الإيمان به
- التصنيفات: التقوى وحب الله - دعوة المسلمين - الطريق إلى الله -
وصلتني رسالة من أحد الإخوة نقلاً عن أحد المشايخ، و كانت الرسالة كالتالي: يا ترى: إيه أعظم نعمة أنعم الله تعالى بها علينا؟! هل هي المال، هل هي الوالدان، أو هي الابتعاد عن رؤية المعاصي؛ حتى قال بعضهم: إن أعظم نعمة أنعم الله تعالى بها علينا أن ربي .. هو ربي، الذي يملك النفع والضر، وبيده كل شيء، ونحن نعصيه، وهو يحلم علينا ويتركنا ؟! فهل صحيح أن أعظم نعم الله تعالى علينا أنه الله تعالى ربنا؟ و هل يجوز أن نقول إن الله تعالى هو أعظم النعم ..، وهل هناك فرق بأن نقول إن الله تعالى هو نعمة وأن نقول النعمة هي أن ربي هو الله تعالى؟ وجزاكم الله خيراً.
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين.
لا شك أن أعظم نعمة لله تعالى على عباده هي نعمته عليهم بالهداية إلى دينه الذي اختاره لعباده، وأمرهم بسلوكه. قال الله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة:3].
قال ابن كثير رحمه الله تعالى:
"هَذِهِ أَكْبَرُ نِعَمِ اللَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ، عَلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ: حَيْثُ أَكْمَلَ تَعَالَى لَهُمْ دِينَهُمْ، فَلَا يَحْتَاجُونَ إِلَى دِينِ غَيْرِهِ، وَلَا إِلَى نَبِيٍّ غَيْرِ نَبِيِّهِمْ، صَلَوَاتُ اللَّهِ تعالى وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ؛ وَلِهَذَا جَعَلَهُ اللَّهُ تعالى خَاتَمَ الْأَنْبِيَاءِ عليهم الصلاة والسلام، وَبَعَثَهُ إِلَى الْإِنْسِ وَالْجِنِّ، فَلَا حَلَالَ إِلَّا مَا أَحَلَّهُ، وَلَا حَرَامَ إِلَّا مَا حَرَّمَهُ، وَلَا دِينَ إِلَّا مَا شَرَعَهُ، وَكُلُّ شَيْءٍ أَخْبَرَ بِهِ فَهُوَ حَقٌّ وَصِدْقٌ لَا كَذِبَ فِيهِ وَلَا خُلْف، كَمَا قَالَ الله تَعَالَى: {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلا} [الْأَنْعَامِ:115] أَيْ: صِدْقًا فِي الْأَخْبَارِ، وَعَدْلًا فِي الْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي، فَلَمَّا أَكْمَلَ الدِّينَ لَهُمْ تَمَّتِ النِّعْمَةُ عَلَيْهِمْ " انتهى من (تفسير ابن كثير:3/26).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
"وأعظم نعمته عليهم أن أمرهم بالإيمان وهداهم إليه، فهؤلاء همِ أهل النعمة المطلقة المذكوريِن في قوله: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ. صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ}" انتهى من (جامع المسائل:4/284).
وقال أيضا:
"فَمِنْ أَعْظَمِ نِعَمِ اللَّهِ تعالى عَلَى عِبَادِهِ وَأَشْرَفِ مِنَّةٍ عَلَيْهِمْ: أَنْ أَرْسَلَ إلَيْهِمْ رُسُلَهُ؛ وَأَنْزَلَ عَلَيْهِمْ كُتُبَهُ؛ وَبَيَّنَ لَهُمْ الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ. وَلَوْلَا ذَلِكَ لَكَانُوا بِمَنْزِلَةِ الْأَنْعَامِ وَالْبَهَائِمِ بَلْ أَشَرَّ حَالًا مِنْهَا فَمَنْ قَبِلَ رِسَالَةَ اللَّهِ وَاسْتَقَامَ عَلَيْهَا فَهُوَ مِنْ خَيْرِ الْبَرِيَّةِ وَمَنْ رَدَّهَا وَخَرَجَ عَنْهَا فَهُوَ مِنْ شَرِّ الْبَرِيَّةِ وَأَسْوَأُ حَالًا مِنْ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ وَالْحَيَوَانِ الْبَهِيمِ " انتهى من (مجموع الفتاوى:19/100).
فتبين أن أعظم نعم الله تعالى على عبده أن يوفقه إلى الإيمان به وبرسله عليهم الصلاة والسلام، والتزام دينه وشرعه؛ وإذا كان الله جل جلاله هو رب الخلق جميعا، وهو خالقهم ومدبرهم ومصرف أمورهم، وهو أيضا حليم لا يعجل على خلقه سبحانه، ولا يؤاخذهم بظلمهم وما كسبت أيديهم؛ فإن هذا إنما يكون نعمة في حق من عرفه، وآمن به، واتبع هداه؛ وأما من كفر به وعصاه، واغتر بحلمه وستره فاجترأ عليه، فإن ذلك ينقلب وبالا عليه، وزيادة في نكاله وعذابه. بل حتى نعم الدنيا، من الرزق والعافية، والمال والولد ونحو ذلك، إنما يكون نعمة حقيقية في حق من شكرها وعرف قدرها، لا في حق من كفرها، وعصى الله تعالى فيها.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
" وَأعظم نعْمَة أنعمها الله على الْعباد هِيَ الْإِيمَان، وَهُوَ قَول وَعمل يزِيد وَينْقص يزِيد بِالطَّاعَةِ والحسنات وَينْقص بالفسوق والعصيان، فَكلما ازْدَادَ الْإِنْسَان عملا للخير ازْدَادَ إيمَانه؛ هَذَا هُوَ الايمان الْحَقِيقِيّ الْمَذْكُور فِي قَوْل الله تَعَالَى {اهدنا الصِّرَاط الْمُسْتَقيم صِرَاط الَّذين أَنْعَمت عَلَيْهِم}
بل نعم الدُّنْيَا نعْمَة الدّين؛ وَهل هِيَ نعْمَة أم لَا؟ فِيهِ قَولَانِ مشهوران للْعُلَمَاء من أَصْحَابنَا وَغَيرهم؛ وَالتَّحْقِيق: أَنَّهَا نعْمَة من وَجه، وَإِن لم تكن نعْمَة تَامَّة من كل وَجه. وَأما الإنعام بِالدّينِ، من فعل الْمَأْمُور وَترك الْمَحْظُور: فَهُوَ الْخَيْر كُله، وَهُوَ النِّعْمَة الْحَقِيقِيَّة عِنْد أهل السّنة؛ إِذْ عِنْدهم أَن الله هُوَ الَّذِي أنعم بِالْخَيرِ كُله ... " انتهى من (مختصر الفتاوى المصرية:268).
والحاصل:
أن أعظم نعم الله تعالى على عباده: أن يوفقهم إلى معرفته وتوحيده، واتباع رسله عليهم الصلاة والسلام، والتزام شرعه العظيم؛ وأما نعم الدنيا فإنما تكون نعمة في حق من وضعها موضعها، واستعان بها على طاعة ربه سبحانه.
والله تعالى أعلى وأعلم.