بطلان تأبيدِ الإيجار

منذ 2016-01-22
السؤال:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،

شيوخنا الأفاضل/ برجاء التكرم بالرد على هذا السؤال سريعًا؛ لأهميته ولكم جزيل الشكر:

كان لأبى شقة مستأجرة علي نظام القانون القديم، وبمبلغ قليل جدًّا عن قيمة إيجارها الآن، مات أبي وأمي وبقيت أخت لنا لم تكن قد تزوجت بعد، ثم تقدم لها رجل وتزوجت في نفس الشقة المذكورة، والحال أن  المالك لهذه الشقة يريد إخراجها من البيت؛ للانتفاع بها، وهي لا تريد الخروج، وتقول: إن القانون أعطى لها الحق في السكن في شقة الأسرة، ولا تريد حتى التفاوض معه على إيجارٍ معقول، فهي تدفع 35 جنيهًا؛ إيجارًا لشقةٍ إيجارُها 400 جنيهٍ؛ وتقول: إن ظروفَها لا تسمح بأكثر من ذلك، والآن، صاحبُ العقار لا يأخذ منها الإيجار، حتى يتسنى له إقامة دعوى طردٍ، وهي تريد أن تدفع الإيجار في المحكمة، وتحتاج إلى عقد الإيجار للدفع، والعقدُ معي.

والسؤال:

1- هل يجوز لها فعل ذلك والبقاء في الشقة بحكم القانون؟

2- هل يجوز لي أنا إعطاؤها عقدَ الشقة وتمكينُها مما تريد، أم أن ذلك تعاونٌ على الباطل والإثم؟

مع العلم أنهم لا يمكنهم استئجارُ مكانٍ آخرَ وسوف يكون مكانهَم الشارعُ إن تَمَّ طردُهم.

 

أفيدونا وانصحونا، لأن القضية أوشكت على الحكم.

الإجابة:

الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:

فإن كان الحال كما ذكرتِ، أن الشَّقَّة المذكورةَ مُستأجرةٌ بِنِظام تأبيدِ الإجارة المعمولِ به في بعض البلدان العربية، فهو عقدٌ باطلٌ في الشريعة الإسلامية بإجماع أهل العلم؛ لأن هذا النّظام يقومُ على أنَّ لِلمُستأجِر أن يَنتفع بالمؤجَّر أبدًا هو وذرّيَّته، ومعلوم أن حبْس العَيْن عن مالكها لا يكون إلا بالبيع؛ قال ابن قدامة في "المغني": "قال ابن المنذر: أجمع كلّ مَن نَحفظ عنه من أهل العلم، على أنَّ استِئجار المنازلِ والدوابّ جائز، ولا تَجوز إجارتُها إلا في مدَّة معيَّنة معلومة" اهـ.

 بل ويُضاف إلى تأبيدِ المدَّة تأبيد الأُجْرة، فيظلّ المستأجِر طيلةَ هذه العقود من الزَّمان يدفَعُ أجرةً زهيدةً لا تُساوي شيئًا من أجرة المثْل اليوم، ولا شكَّ أنَّ هذا من الظّلم البيّن، فقانون الإيجار هذا مضادّ لحكم الله - تعالى - القائِم على العدل، ومنع الظلم، وتَحريم أكْل أموال الناس بِالباطل، أو الاعتِداء عليْها واغتصابها بقوَّة قانون جائر، قال الله – تعالى -: {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ} [البقرة: 188]، وفي الحديث: «فإنَّ دماءَكم وأموالَكم وأعراضَكُم حرامٌ عليْكم»؛ رواهُ مسلم وغيْرُه.

وعليه؛ فإذا كان الواقعُ هو ما تقدَّم، فعقد الإجارة باطلٌ؛ لِخلوّه من تَحديد مدَّة الإيجار، وما كان كذلك يَجبُ فَسخه، ويَجب على أختك ردُّ الشَّقَّة إلى المالك، والمالك مُخيَّر بعد ذلك بين تأجيرِ الشقة لها أو لغيرِه، مع الالتزِم بِالشُّروط الشرعيَّة في الإجارة.

 فإن رضِي المالك، أبرما عقدًا جديدًا شرعيًّا تُحدَّد فيه مدَّة الإيجار، مع الاتّفاق على أُجرة معلومة يرضَى بها مالك الشَّقَّة، ولا يُجبَر عليْها جبرًا بِحُكم القانون.

ولتحذَر أختكِ من الاستِقْواء على المالك بقانون وضعيّ مضادّ لشرعة الله، وقد قال – تعالى -:

{فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}  [النساء: 65]، وقال - عزَّ وجلَّ -: {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [النور: 51]، وقال - سبحانه -: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 63].

كما يَحرُم على السائلة الكريمة، معاونةُ أختِها في الاستحواذِ على تلك الشقةِ، فيحرُم عليكِ أن تعطيها عقدَ الشقةِ، وحاجةُ أختكِ لا تبررُ معاونتَها على ما حَرَّم اللهُ، وأكلِ أموالِ الناسِ بالباطل، ولتبحثْ لها عن سكنٍ آخرَ، أو تتوافقْ مع صاحبِ الشقة على أمر لا ظلم فيه، ولا مخالفة لشرع الله - عز وجل -،،

والله أعلم.

خالد عبد المنعم الرفاعي

يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام

  • 2
  • 0
  • 13,598

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً