نقل الحديث بالمعنى أثناء الموعظة
برنامج فتاوى نور على الدرب، الحلقة الثمانون 6/5/1433هـ
هل يصحُّ للواعظ أن يأتي بالأحاديث التي يريد إسماعها من يعظهم بالمعنى لفوات لفظ الحديث ونصه حين الموعظة؟ وما هو الأفضل في ذلك؟
الأصل أن يأتي باللفظ النبوي إذا أمكن، لكن جماهير أهل العلم أجازوا الرواية بالمعنى بشرطها وهو أن يكون هذا الراوي عالمًا بمدلولات الألفاظ وما يحيل المعاني، وما خالف في هذه المسألة إلا ابن سيرين ونزر يسير من أهل العلم قالوا: لا بد من أداء اللفظ، لكن أداء اللفظ قد يكون متعذرًا فيلزم منه أن يُترك كثير من السنن التي لا يتأكد راويها من لفظها، وكتب أهل العلم ودواوين الإسلام في السنة تدل على أنهم يروون بالمعنى، فالقصة الواحدة تروى بألفاظٍ متعددة، لكن معانيها واحدة، فإذا تحقق الشرط وهو أن يكون الراوي عالمًا بمدلولات الألفاظ عارفًا بما يحيل المعاني فإن له ذلك.
وواقع كتب السنة ودواوين الإسلام يشهد بذلك، وهو قول عامة أهل العلم، يبقى أن ابن الصلاح أشار إلى شيء وهو أنه بعد التدوين لا تجوز الرواية بالمعنى، بل على الإنسان أن يرجع إلى هذه الكتب وينقل باللفظ، ويبقى أن هذا اللفظ الذي نقله بلفظه لا يُجزم بأنه هو اللفظ النبوي؛ لأن الذي رواه في كتابه من أئمة الإسلام قد يكون في وسائطه من الرواة مَن رواه بالمعنى على حسب ما أجازه أهل العلم.
فإذا كان متأكدًا من معنى الحديث فلا مانع من إيراده على مَن يحدثهم على أن يشير أنه رواه بالمعنى فيقول: أو كما قال النبي -عليه الصلاة والسلام-، أو في معنى الحديث، أو في حديث غاب عني لفظه وهذا معناه.
والوعاظ والقُصَّاص لانشغالهم بالوعظ وحرصهم على نفع الناس من قديم تحصل منهم الغفلة عن ضبط العلم ودقائقه وضبط النصوص والاهتمام بها والعناية بها، ولذا يكثر في كلامهم الأحاديث الضعيفة، بل قد يوجد الأحاديث الموضوعة على ألسنتهم، وبعضهم من نهمه بالقصص وإرادة تكثير الجماهير يُغرب ويروي من الأحاديث ما لا أصل له لكن لفظه يجذب الناس، ولذلك يحذرون من أحاديث القصاص.
ومع ذلك فعلى الإنسان أن يتقي الله -جل وعلا- في هذا الباب ولا ينقل عن النبي -عليه الصلاة والسلام- إلا ما تأكد من ثبوته عنه؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: «من كذب علي متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار» [البخاري: 110]، وفي الحديث الآخر وهو أشدّ: «من حدث عني بحديث يُرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين» [مسلم: المقدمة ص8]، «يُرى» يراه أي شخص ما يلزم أن يراه هو، واللفظ الثاني: «يَرى أنه كذب» [ابن ماجه: 38]، على كل حال الأمر خطير جدًا، وأن ينسب لصاحب الشريعة ما لم يقله «من يقل علي ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار» [البخاري: 109].
عبد الكريم بن عبد الله الخضير
عضو هيئة التدريس في قسم السنة وعلومها في كلية أصول الدين بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض وحاليا عضو هيئة كبار العلماء واللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
- التصنيف:
- المصدر: