ابتداء الدرس بعد الصلاة مباشرة
حصل خلاف بين الإخوة المصلين حول هذه المسألة وهي المبادرة بإعطاء الدروس والمواعظ بعد الصلوات المكتوبة مباشرة وأنتم تعلمون ما يحصل من تشويش على المسبوقين والإخوة الجالسين للذكر وخاصة أذكار المساء بعد صلاة العصر
البعض قال غير جائز والبعض الآخر قالوا جائز، نريد بيان الصحيح والأفضل في هذه المسألة.
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى عن ابتداء الدرس بعد الصلاة مباشرة فقال:
لا شك أن الصلاة يشرع بعد انتهائها أن يستغفر الإنسان ثلاثاً، ويقول: اللهم أنت السلام منك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام. ثم يذكر الله سبحانه وتعالى بما جاءت به السنة. هذا هو الأصل، لكن الذين يتكلمون بعد الصلاة بما يتكلمون به من أحاديث مكتوبة في كتبٍ سابقة، أو من ورقةٍ مكتوب بها أحاديث نافعة، أو ارتجالاً، إنما يبادرون بالكلام لأنهم يخشون أن يخرج الناس لو انتظر حتى يسبح الناس، ثم إنه يشفع لبعض الناس أن طلب العلم أفضل من الأذكار التي تقال بعد الصلاة؛ لأن طلب العلم لا يعدله شيء؛ كما قال الإمام أحمد رحمه الله: العلم لا يعدله شيء، فهم يقولون نحن نتكلم بالعلم النافع، ومن أراد أن يسبح فليسبح، وإن كنا نقرأ أو نتكلم ومن أراد أن يستمع لنا ثم يسبح بعد ذلك فله ذلك، ومن لم يتمكن من الجمع بينهما ثم استمع إلى الحديث النافع والعلم، ثم خرج إلى شغله، فلا حرج. نعم، لو الناس اعتادوا على أن تكون الموعظة بعد انتهائهم من التسبيح بحيث يكون لدى الناس علم بأنه ستلقى كلمة، أو موعظة، أو حديث بعد التسبيح، فهنا أفضل أن يدع الناس يسبحون ثم يتكلم، لكن الناس لم يعتادوا هذا وأكثرهم لا يصبر، ولذلك رأى الأئمة الذين يتكلمون ويحدثون على الناس أن يكون الحديث أو الكلام بعد الاستغفار ثلاثاً، وبعد قول: اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام، وقد كان النبي عليه الصلاة والسلام إذا أراد أن يكلم أصحابه بعد الصلاة إذا سلم انصرف إليهم ثم كلمهم . اهــ كلامه رحمه الله.
ومن الأحاديث التي كانت تدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أحيانًا يعظ الناس بعد الفراغ من الصلاة، ما رواه مسلم في صحيحه عن أنس رضي الله عنه قال: "صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم، فلما قضى الصلاة أقبل علينا بوجهه فقال: «أيها الناس؛ إني إمامكم فلا تسبقوني بالركوع ولا بالسجود، ولا بالقيام، ولا بالانصراف، فإني أراكم أمامي ومن خلفي. ثم قال: والذي نفس محمد بيده، لو رأيتم ما رأيت لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيرًا.» قالوا: وما رأيت يا رسول الله؟ قال: «رأيت الجنة والنار»." اهــ.
وكذا حديث خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ الذي رواه الشيخان أَنَّهُ رضي الله تعالى عنه قَالَ: "صَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ الصُّبْحِ بِالْحُدَيْبِيَةِ عَلَى إِثْرِ سَمَاءٍ كَانَتْ مِنْ اللَّيْلَةِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ: «هَلْ تَدْرُونَ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ؟ قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ، فَأَمَّا مَنْ قَالَ: مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ، فَذَلِكَ مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ بِالْكَوْكَبِ، وَأَمَّا مَنْ قَالَ بِنَوْءِ كَذَا وَكَذَا، فَذَلِكَ كَافِرٌ بِي وَمُؤْمِنٌ بِالْكَوْكَبِ»." اهــ. والأحاديث التي تدل على وعظه وتدريسه عقب الصلاة كثيرة.
وأما صلاة السنة فيمكن أداؤها بعد الدرس, وأداؤها في البيت أفضل من أدائها في المسجد، فلا يؤخر الدرس حتى ينتهي المصلون من السنة؛ لأن ذلك ربما يفوت الدرس أصلا إذ ربما خرج المصلون من المسجد وتفرقوا.
والافضل للإمام الراتب في المسجد أن لايكثر الدروس على الناس فيخفف عليهم فيجعل درسين في الاسبوع فقط او ثلاثة لايزيدعلى العوام في رمضان او غيره حتى لايصيبهم ملل من المواعظ فيزهدوا فيها وكان ابن مسعود رضي الله عنه يُذكر الناس كل خميس وطلبوا منه ان يزيدهم فلم يزدهم مخافة السآمة عليهم.
أما طلاب العلم في الدروس العلمية فله تدريسهم ولو يوميا بدروس علمية خاصة بهم لأنهم جاءوا أصلا لطلب العلم والتعلم.
والله تعالى أعلم.
- التصنيف:
- المصدر: