كثرة الوساوس أثناء الصلاة
عبد الكريم بن عبد الله الخضير
برنامج فتاوى نور على الدرب، الحلقة الثانية والثمانون 20/5/1433 هـ
- التصنيفات: فقه الصلاة -
أصلي كل الفروض ولله الحمد، ولكن عند وقت الصلاة يدخل في رأسي بعض الوساوس، فهل صلاتي صالحة أم لا؟
على المسلم الذي يَمثل بين يدي ربه أن يكون خاشعًا مخبتًا منيبًا مقبلاً إلى ربه بقلبه وقالبه، وألا ينشغل بشيء من أمور الدنيا، بل عليه أن يتجه إلى صلاته ولا ينشغل لا بأمر دنيا ولا بأمر آخر، حتى أمور الدين الأخرى، عليه أن يتحدد هدفه بما هو بصدده وهو الصلاة.
وأما هذه الوساوس المشغلة وقت الصلاة فلا شك أن الشيطان حريص عليها ليفسد صلاة المسلم ويبطلها إن استطاع أو يقلل ثوابها بقدر استطاعته، فعلى الإنسان أن يلتفت إلى صلاته ولا يسهو فيها، ومن يسهو فيها فصلاته لاشك أنها ناقصة وليس له من أجرها إلا ما عقل، ولكنه ليس مثل من يسهو عنها، ففرق بين أن يسهو فيها وأن يسهو عنها وهو الذي جاء فيه الوعيد الشديد كما في قول الله -جل وعلا-: {الَّذِينَ هُمْ عَن صَلاتِهِمْ سَاهُونَ} [الماعون: ٥]، فالوعيد الشديد لمن سها عن صلاته وأما من سها فيها فله من أجر صلاته ما عقل منها وحضر قلبه فيها، ويفقد منها ما انشغل عنها، وقد يصلي الشخص ويخرج من صلاته وليس له إلا نصف الأجر أو ربع الأجر أو ثلثه أو أقل أو أكثر حسبما يحضر قلبه فيه وما يعقله منها.
فعلى الإنسان أن يحرص على صلاته وأن يقبل عليها بقلبه وأن يلجأ إلى ربه ويَمثل بين يديه بخضوع وخشوع، وعلى كل حال الوساوس التي تدخل -على ما ذكر السائل- في رأسه وفي رأس غيره من عامة المصلين هذه مما ابتلي به الناس لما انصرفوا إلى دنياهم، وغفلوا عن دينهم وما يقربهم إلى الله -جل وعلا-، فعلينا جميعًا أن نراجع صلاتنا وأن نحضر قلوبنا فيها؛ لنحصل على الأجر العظيم وتترتب عليها آثارها.
فإذا لم يكن له من صلاته إلا الشيء اليسير فشيخ الإسلام عند قوله –صلى الله عليه وسلم-: «الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفرات ما بينهن إذا اجتَنب الكبائر» [مسلم: 233] يقول: إذا ما خرج من أجرها إلا بالعشر فهل هذه تكفر ما بينهما وبين الصلاة الأخرى؟"
ومفهوم كلامه أنها إذا كفرت نفسها فبها ونعمت، لكن على الإنسان أن يسعى أن يكمل صلاته وأن يكون قلبه خاشعًا مقبلًا منيبًا حاضرًا؛ ليخرج من صلاته بأكبر قدر من الأجر، وحينئذٍ تترتب عليها آثارها فتنهاه عن الفحشاء والمنكر كما قال -جل وعلا-: {إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ} [العنكبوت: ٤٥]، وإذا لاحظنا في أحوال المسلمين نجد كثيرًا منهم مَن يصلي مع الناس جماعة في المسجد لكنه إذا خرج لم يتورع عن ارتكاب بعض المحرمات، وما ذلك إلا للخلل المصاحب لهذه الصلاة، فلو صلاها كما أمر النبي -عليه الصلاة والسلام-: «صلوا كما رأيتموني أصلي» [البخاري: 631] لترتبت عليها آثارها وثبت له بها الأجر العظيم ونهته عن الفحشاء والمنكر.
فعلى كل حال عليه أن يستحضر ما يقرأ، ويلتجئ إلى الله -جل وعلا-، ويصدق اللجأ إليه، ويستعيذ من الشيطان، ويقبل على صلاته، ويأتي إلى صلاته متفرغًا من أشغاله؛ لئلا تهجم عليه أثناء صلاته،،
والله أعلم.