هل يجوز تمني مقام مثل مقام النبي صلى الله عليه وسلم
خالد عبد المنعم الرفاعي
يسأل: إني لأحبه صلى الله عليه وسلم؛ حتى أني أحيانًا أتمنى لو كنت من آل بيته، وأن لي نفس الأحوال التي أصابته في حياته، وأن لي نفس المقام، فهل لي دواء؟
- التصنيفات: موضوعات متنوعة -
السلام عليكم ورحمة الله،
هل يجوز غبطة النبي صلى الله عليه وسلم؟
أنا أعلم أنني لو أنفقت مافي الأرض لن أصل إلى مقامه الشريف -صلى الله عليه وسلم-، وأعلم أن الله أعلم حيث يجعل رسالته، وأعلم أننا لن نصل إلى مقام الصحابة حتى -رضي الله عنهم-، لكن -سبحان الله- إني لأحبه صلى الله عليه وسلم؛ حتى أني أحيانًا أتمنى لو كنت من آل بيته، وأن لي نفس الأحوال التي أصابته في حياته، وأن لي نفس المقام -مع أن هذا ليس من الأدب مع النبي-، مع أن المفروض أن يسأل الإنسان الله العفو والعافية من كل ابتلاء، لاحتمال أنه لن يصبر ويفتن في دينه والعياذ بالله.
هل هناك دواء لي؟
الحمدُ لله، والصلاةُ والسلامُ على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعدُ:
فالله تعالى نهى عباده المؤمنين عن تمني ما فضل به غيرهم من الأمور الممكنة وغير الممكنة، فلا تتمنى المرأة أن تكون رجلاً أو العكس، ولا يتمنى الفقير والناقص حالة الغنى والكمال، فضلًا عن تمني ما لا يجوز؛ كتمني النبوة والرسالة أو كونه من آل البيت، إلى غير ذلك؛ لأنه يفضي بصاحبه إلى التسخط على قدر الله؛ قال الله تعالى: {وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا} [النساء: 32]، وقال سبحانه {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} [الأنعام: 124].
فإن الله سبحانه وتعالى هو المنفرد بالخلق والاختيار من المخلوقات، قال الله تعالى {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ} [القصص: 68]، المراد بالاختيار الاجتباء والاصطفاء، ثم نفى الاختيار الخلق فقال: {مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ}، فكما أنه المنفرد بالخلق، فهو المنفرد بالاختيار، وليس لأحد أن يخلق ولا أن يختار سواه، فإنه سبحانه أعلم بمواقع اختياره، ومحال رضاه، وما يصلح للاختيار مما لا يصلح له، وغيره لا يشاركه في ذلك بوجه، فله الحكمة البالغة والعدل التام.
أما علاج تلك الخواطر الشيطانية: فبتقوية الإيمان بالقضاء والقدر وأن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، وأن يسأل الله من فضله في جميع مصالحه في الدين والدنيا، وتحقيق الثقة بالله، فهو سبحانه وتعالى حكيم في تدبيره لأمور خلقه، والواجب على المسلم الرضى بما قدره الله تعالى في ملكه، وأن يتذكر قول الله تعالى: {لا يسأل عما يفعل وهم يسألون} [الأنبياء: 23] لكمال حكمته وعدله ورحمته.
قال الإمام ابن القيم في "مدارج السالكين" (2/ 208):
"... أن يعلم أنه سبحانه هو الأول قبل كل شيء، والآخر بعد كل شيء، والمظهر لكل شيء، والمالك لكل شيء، وهو الذي يخلق ما يشاء ويختار، وليس للعبد أن يختار عليه، وليس لأحد معه اختيار، ولا يشرك في حكمه أحدًا، والعبد لم يكن شيئًا مذكورًا، فهو سبحانه الذي اختار وجوده، واختار أن يكون كما قدره له وقضاه: من عافية وبلاء، وغنى وفقر، وعز وذل، ونباهة وخمول، فكما تفرد سبحانه بالخلق، تفرد بالاختيار والتدبير - وليس للعبد شيء من ذلك - فإن الأمر كله لله. وقد قال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: {ليس لك من الأمر شيء} [آل عمران: 128].
فإذا تيقن العبد أن الأمر كله لله، وليس له من الأمر قليل ولا كثير، لم يكن له معول - بعد ذلك - غير الرضا بمواقع الأقدار، وما يجري به من ربه الاختيار".اهـ.
وليتأمل كلامه في كتاب الفوائد (ص: 93):
"والله سبحانه تولى تدبير أمورهم بموجب علمه وحكمته ورحمته، أحبوا أم كرهوا، فعرف ذلك الموقنون بأسمائه وصفاته، فلم يتهموه في شيء من أحكامه، وخفي ذلك على الجهل به وبأسمائه وصفاته، فنازعوه تدبيره وقدحوا في حكمته ولم ينقادوا لحكمه، وعارضوا حكمه بعقولهم الفاسدة وآرائهم الباطلة وسياساتهم الجائرة؛ فلا لربهم عرفوا ولا لمصالحهم حصلوا.
ومتى ظفر العبد بهذه المعرفة، سكن في الدنيا قبل الآخرة في جنة لا يشبه فيها إلا نعيم الآخرة، فإنه لا يزال راضيًا عن ربه، والرضا جنة الدنيا ومستراح العارفين، فإنه طيب النفس بما يجري عليه من المقادير التي هي عين اختيار الله له، وطمأنينتها إلى أحكامه الدينية، وهذا هو الرضا بالله ربا وبالإسلام دينًا وبمحمد رسولاً، وما ذاق طعم الإيمان من لم يحصل له ذلك، وهذا الرضا هو بحسب معرفته بعدل الله وحكمته ورحمته وحسن اختياره، فكلما كان بذلك أعرف، كان به أرضى؛ فقضاء الرب سبحانه في عبده دائر بين العدل والمصلحة والحكمة والرحمة، لا يخرج عن ذلك البتة؛ كما قال في الدعاء المشهور ((ماض في حكمك عدل في قضاؤك))، وهذا يتناول كل قضاء يقضيه على عبده، من عقوبة أو ألم، وسبب ذلك فهو الذي قضى بالسبب وقضى بالمسبب، وهو عدل في هذا القضاء، وهذا القضاء خير للمؤمن؛ كما قال ((والذي نفسي بيده لا يقضي الله للمؤمن قضاء، إلا كان خيرًا له وليس ذلك إلا للمؤمن))". اهـ. مختصرًا.
هذا؛ والله أعلم.