يزني بامرأة ويسأل عن الزواج منها
أنا متزوج، وكنت قد عرفت واحدة مطلقة، وتطورت العلاقة للأسف ووصلت لزنا، وبعدت وتبت، لكن للأسف رجعت، وكل ما أبعد وأتوب أرجع مرة أخرى ولا أستطيع أن أبعد عنها، لذلك أفكر أن أتزوجها.
السلام عليكم،
أنا متزوج، وكنت قد عرفت واحدة مطلقة، وتطورت العلاقة للأسف ووصلت لزنا، وبعدت وتبت، لكن للأسف رجعت، وكل ما أبعد وأتوب أرجع مرة أخرى ولا أستطيع أن أبعد عنها، لذلك أفكر أن أتزوجها، لكن للأسف خائف؛ أنها مثل ما عملت هذا الشيء معي قد تكون تعمل مع آخر، مع أنها تقسم لي أنها لم تعمل هذا الشيء إلا لأنها تحبني، وأنها تتمنى أن أتزوجها، وإذا لم أتزوجها أظل معها، وأنها لا تقدر أن تعيش بدوني.
وأنا لا أعرف ماذا أعمل، أتزوجها أم أتركها؟ وكذا مرة أبعد وأرجع، ومتعب جدًا من المعصية، وخائف أن يرد لي.
هل أتزوجها على أي حال، أم ماذا أعمل؟
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:
فلا شك أن خطيئة الزنا من أقبح الذنوب وأعظمها، فهو إثم يستفحش في الشرع والعقل والفطر، ولتضمنه التجري على حق الله وحق المرأة وحق أهلها، وإفساد الفراش واختلاط الأنساب، وخراب البيوت، فناسب أن يجعل الله عقابها رادعًا ونكالاً لأصحاب الفجور، وعذابًا للمفسدين في الأرض، المخربين الديار، الساعين في الناس بالخطيئة والفساد، حتى تندفع النفس عن غيها؛ فليس في الذنوب ما يعاقب به بالرجم حتى الموت إلا الزاني المحصن، فرجم النبي صلى الله عليه وسلم، ورجم خلفاؤه الراشدون، أمر الله سبحانه أن يكون الحدهما بمشهد من المؤمنين، وذلك أبلغ في مصلحة الحد، والحكمة الزجر، وهو مشتق من عقوبة الله تعالى لقوم لوط بالقذف بالحجارة، وذلك لاشتراك الزنا واللواط في الفحش، والفساد الذي يناقض حكمة الله في خلقه وأمره،
قال الإمام ابن القيم في كتاب"الصلاة وأحكام تاركها" (ص: 31):
"«إن الله كتب الإحسان في كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة»، وضرب العنق بالسيف أحسن القتلات، وأسرعها إزهاقا للنفس، وقد سن الله سبحانه في قتل الكفار المرتدين ضرب الأعناق دون النخس بالسيف، وإنما شرع في حق الزاني المحصن القتل بالحجارة؛ ليصل الألم إلى جميع بدنه حيث وصلت إليه اللذة بالحرام؛ ولأن تلك القتلة أشنع القتلات، والداعي إلى الزنا داع قوي في الطباع، فجعلت غلظة في مقابلة قوة الداعي؛ ولأن فيه تذكيرا لعقوبة الله لقوم لوط بالرجم بالحجارة على ارتكاب الفاحشة". اهـ.
ومن أجل هذا حذَّرَنا الله تعالى في كتابه المحكم عن مقاربته، ومخالطة أسبابه ودواعيه؛ فقال سبحانه: {وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً} [الإسراء:32].
وفي الصحيحين وغيرهما عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن، والتوبة معروضة بعد».
وقصّ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم عذابهم في البَرزخ؛ حتَّى تقومَ السَّاعة - نسأل الله العافية، كما رواه البُخاريّ في حديث المِعراج أن النبي – «رأى رجالاً ونساءً عُراةً على بناءٍ شبه التنّور، أسفله واسع، وأعلاه ضيّق، يوقَد عليهمبنارٍ من تَحتِه، فإذا أوقدت النَّار ارْتَفعوا وصاحوا، فإذا خَبَتْ عادوا، فلمَّا سأل عنهم؟أُخْبِر أنَّهم هم الزّناة والزَّواني».
غير أنه إن تاب المبتلى بهذا البلاء وأناب، ورزق توبة نصوحًا وعملاً صالحًا، بدل سيئاته بحسنات، وغَسَلَ عار ذلك عنه بأنواع الطاعات والقربات، وغض بصره وحفظ فرجه عن المحرمات، وصدق اللهَ في معاملته-: فهذا مغفور له، وهو من أهل الجنة، فإن الله يغفر الذنوب جميعًا، وإذا كانت التوبة تمحو كل ذنب، حتى الشرك بالله وقتل أنبيائه وأوليائه والسحر والكفر وغير ذلك، فلا تقصُر عن محو هذا الذنب، وقد استقرت حكمة الله تعالى به عدلاً وفضلاً أن: (التائب من الذنب كمن لا ذنب له)، وقد ضمن الله سبحانه لمن تاب من الشرك وقتل النفس والزنى، أنه يبدل سيئاته حسنات، وهذا حكم عام لكل تائب من ذنب
فلا يخرج فقال - سبحانه وتعالى -: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر: 53]، وقال تعالى: {وَالَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا* يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا* إِلا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا} [الفرقان:67-70]، ولكن هذا في حق التائبين خاصة، قال تعالى: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور31].
أما زواج الزاني بمن زنى بها، فقد اختلف أهل العلم في صحته، والراجح، هو ما ذهب إليه الإمام أحمد ومَن وافقه، ورجّحه ابن تيمية - رحمه الله - قال: "نكاح الزانية حرام حتى تتوب، سواء كان زنى بها هو أو غيره، هذا هو الصواب بلا ريب، وهو مذهب طائفة من السلف والخلف، منهم أحمد بن حنبل وغيره، وذهب كثير من السلف إلى جوازه، وهو قول الثلاثة".اهـ.
إذا تقرر هذا؛ فيجب على السائل المبادرةُ بالتَّوبة إلى الله من هذا الجُرم العظيم، والنَّدمُ والعزم على عدم العَوْد؛ فإِنَّ الله يُحبّ التَّوّابين ويُحبّ المُتطهّرين؛ ومن شرط التوبة الابتعاد عن تلك المرأة، وقطع الاتصال بها.
ولا حرج من الزواج بعد توبتكما.
وليحذر العاقل من التمادي والانكباب على الدنيا، والإعراض عن الآخرة، والإقدام والجرأة على معاصي الله عز وجل، فتملك المعصية قلبه، وتسبي عقله، ويطفأ نوره، ويغلط حجابه، فلم تنفع فيه تذكرة ولا موعظة، فلا يوفق للتوبة النصوح، ولا للعمل الصالح، ولا استدراك ما فات، ولا أبدل السيئات بالحسنات، فهذا بعيد أن يوفق عند الممات لخاتمة يدخل بها الجنة، عقوبة له على عمله، فتخذله ذنوبه عند الموت، فتحول بينه وبين الخاتمة الحسنى؛ بسبب الإصرار على الكبائر، والإقدام على العظائم، فربما نزل به الموت قبل التوبة، فيصطلمه قبل الإنابة؛ فيظفر به الشيطان عند تلك الصدمة، ويختطفه عند تلك الدهشة، والعياذ بالله،، والله أعلم.
- التصنيف:
- المصدر: