هل التوبة من ظلم الصديق وأذيته يشترط لها إعلامه والتحلل منه

منذ 2018-07-23

شروط التوبة المعروفة شرط رابع وهو ردّ المظالم وطلب العفو والسماح من صاحبها، فالواجب عليك الاستغفار والندم على ما سلف من الذنوب، والإقلاع عنها خوفاً من الله سبحانه.

السؤال:

ظلمت صديق لي واذيته في حياته وهو لا يعرف من ظلمه وقد سببت له الكثير من الحزن .. واريد ان اتوب فهل علي ان اخبره بما فعلته وستصبح قطيعة بيني بينه ام ماذا افعل؟؟ واتمني ان تدعو لي بالهداية والعافية

الإجابة:

 

الحمد لله، والصلاةوالسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أمَّا بعد

فالتوبة من المعصية التي تتعلق بحق آدمي يشترط فيها مع شروط التوبة المعروفة شرط رابع وهو ردّ المظالم وطلب العفو والسماح من صاحبها، فالواجب عليك الاستغفار والندم على ما سلف من الذنوب، والإقلاع عنها خوفاً من الله سبحانه وتعظيماً له، والعزم الصادق على عدم العودة إليها، ورد المظلمة؛ قال تعالى: {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً} [النساء:110]، وقال تعالى: {فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [المائدة:39]، وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً} [التحريم:8]، وقال تعالى: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور:31].

فإن كان الحق مما يستوفى كالمال وجب رده إلى صاحبه بأي وسيلة في استطاعته، وإن تعسر ذلك من كل وجه وضعها في مصالح المسلمين، بقصد النفع لصاحب المظلمة.

في صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من كانت عنده مظلمة لأخيه من عرضه أو شيء، فيتحلله منه اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم، إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه)؛

وأما إن كانت المظلمة مما لا يستوفى كالغيبة والنميمة والكذب ونحو ذلك، فيكتفي بالدعاء له والاستغفار وذكره بخير، مع الإتيان ببقية شروط التوبة، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وقد فصَّل الإمام ابن القيم تلك المسألة الكبيرة تفصيلاً لا مزيد عليه فقال في "مدارج السالكين"(1/ 300):

" وإن كانت المظلمة بقدح فيه، بغيبة أو قذف فهل يشترط في توبته منها إعلامه بذلك بعينه والتحلل منه؟ أو إعلامه بأنه قد نال من عرضه ولا يشترط تعيينه، أو لا يشترط لا هذا ولا هذا، بل يكفي في توبته أن يتوب بينه وبين الله من غير إعلام من قذفه وإعتابه؟

على ثلاثة أقوال، وعن أحمد روايتان منصوصتان في حد القذف، هل يشترط في توبة القاذف إعلام المقذوف، والتحلل منه أم لا؟ ويخرج عليهما توبة المغتاب والشاتم.

والمعروف في مذهب الشافعي، وأبي حنيفة، ومالك اشتراط الإعلام والتحلل، هكذا ذكره أصحابهم في كتبهم.

والذين اشترطوا ذلك احتجوا بأن الذنب حق آدمي فلا يسقط إلا بإحلاله منه وإبرائه.

ثم من لم يصحح البراءة من الحق المجهول شرط إعلامه بعينه، لا سيما إذا كان من عليه الحق عارفًا بقدره، فلا بد من إعلام مستحقه به، لأنه قد لا تسمح نفسه بالإبراء منه إذا عرف قدره...

والقول الآخر: أنه لا يشترط الإعلام بما نال من عرضه وقذفه واغتيابه، بل يكفي توبته بينه وبين الله، وأن يذكر المغتاب والمقذوف في مواضع غيبته وقذفه بضد ما ذكره به

من الغيبة، فيبدل غيبته بمدحه والثناء عليه، وذكر محاسنه، وقذفه بذكر عفته وإحصانه، ويستغفر له بقدر ما اغتابه.

وهذا اختيار شيخنا أبي العباس ابن تيمية، قدس الله روحه.

واحتج أصحاب هذه المقالة بأن إعلامه مفسدة محضة لا تتضمن مصلحة، فإنه لا يزيده إلا أذى وحنقا وغما، وقد كان مستريحا قبل سماعه، فإذا سمعه ربما لم يصبر على حمله، وأورثته ضررا في نفسه أو بدنه، كما قال الشاعر:

فإن الذي يؤذيك منه سماعه ... وإن الذي قالوا وراءك لم يقل

وما كان هكذا فإن الشارع لا يبيحه، فضلا عن أن يوجبه ويأمر به.

قالوا: وربما كان إعلامه به سببا للعداوة والحرب بينه وبين القائل، فلا يصفو له أبدًا، ويورثه علمه به عداوة وبغضاء مولدة لشر أكبر من شر الغيبة والقذف، وهذا ضد مقصود الشارع من تأليف القلوب، والتراحم والتعاطف والتحابب.

قالوا: والفرق بين ذلك وبين الحقوق المالية وجنايات الأبدان من وجهين:

أحدهما: أنه قد ينتفع بها إذا رجعت إليه، فلا يجوز إخفاؤها عنه، فإنه محض حقه، فيجب عليه أداؤه إليه، بخلاف الغيبة والقذف، فإنه ليس هناك شيء ينفعه يؤديه إليه إلا إضراره وتهييجه فقط، فقياس أحدهما على الآخر من أفسد القياس.

والثاني: أنه إذا أعلمه بها لم تؤذه، ولم تهج منه غضبًا ولا عداوة، بل ربما سره ذلك وفرح به، بخلاف إعلامه بما مزق به عرضه طول عمره ليلاً ونهارًا، من أنواع القذف والغيبة والهجو، فاعتبار أحدهما بالآخر اعتبار فاسد، وهذا هو الصحيح في القولين كما رأيت، والله أعلم". اهـ.

وعليه، فإن كانت المظالم التي لصاحبك عندك مظالم مالية، فلا بد أن تردها إليه، وإلا لم تصح التوبة، أو تتحلل منها حتى يسامحك، وإن كنت قد ظلمته بشيء معنوي، فتكفي التوبة بينك وبين الله والندم وكثرة الدعاء والاستغفار له والثناء عليه بين الناس،، والله أعلم .

 

خالد عبد المنعم الرفاعي

يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام

  • 18
  • 3
  • 168,713

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً