هل يحفظ الله الكافر
خالد عبد المنعم الرفاعي
السؤال هل يكون الشخص الكافر محل نظر من الله عز وجل بمعني محل ان الله يحفظة ويتواصل معه
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:
فإن محبة الله تعالى ورضاه وفرحه وضحكه وتسليته لأوليائه وأحبائه وأهل طاعته، وغضبه وسخطه وبغضه ومقته وكراهته لأعدائه وأهل مخالفته، وقد تكاثرت على إثبات ذلك نصوص الكتاب والسنة مما يضيق هذا المقام عن استقصائها، غير أن هذا لا يمنع حفظ الله وكلاءته لعبيده من الكفار، فهو ربهم يصرف عنهم من المضرات وأنواع الأذى التي تقصدهم؛ كما قال تعالى: {قُلْ مَن يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ} [الأنبياء:42]، وسواء كان المعنى من يحفظكم منه إذا أراد بكم سوءاً، أو المعنى: هو الذى يحفظكم وحده لا حافظ لكم غيره.
فالله تعالى هو رب المؤمنين ورب الكافرين، فينعم على الكافرين بالحفظ والحراسة مما يؤذيهم بالليل والنهار، لا حافظ لهم غيره؛ لأنهم عبيده، وفى بعض الآثار يقول تعالى: (أنا الجواد، ومن أعظم منى جوداً وكرماً؟ أبيت أكلأُ عبادي في مضاجعهم وهم يبارزونني بالعظائم).
وروى الترمذي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رأى السحاب قال: (هذه روايا الأرض يسوقها الله إلى قوم لا يذكرونه، ولا يعبدونه).
وفى الصحيحين صلى الله عليه وسلم: (ما أحد أصبر على أذى يسمعه من الله تعالى، إنهم يجعلون له ندًا ويجعلون له ولدًا وهو مع ذلك يرزقهم ويعافيهم ويعطيهم).
ولو لم يكن في عناية الله بجميع خلقه وتحببه إليهم - وهو الغني سبحانه - وإحسانه إليهم وبره بهم – إلا تكرِّيمه لهم بإرسال رسله إليهم، وأنزل عليهم كتبه وشرع لهم شرائعه= لولم يكن إلا هذا لكان كافيًا في إثبات حفظ الله لهم. فسبحانه وبحمده لا إله إلا هو العزيز الحكيم، ويفرح سبحانه وتعالى بتوبة الكافر إذا تاب إليه أعظم فرح وأكمله، ويكفر عنه ذنوبه، ويبدلها حسنات.
والحاصل أن حفظ الله ورعايته ورزقه وغير ذلك من خصائص الربوبية يستوي فيها جميع الناس، المؤمن والكافر، فكل من عمل واجتهد رزقه الله كما في صحيح مسلم أن أنس بن مالك، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن الكافر إذا عمل حسنة أطعم بها طعمة من الدنيا، وأما المؤمن، فإن الله يدخر له حسناته في الآخرة ويعقبه رزقا في الدنيا على طاعته)
هذا؛ ومن قرأ القرآن الكريم بتدبر، وتأمل ما قصه الله علينا من أخبار الكافرين، لم يتردد في تلك المسألة، فالله تعالى أرسل لكل أمة رسول وايده بالآيات ليؤمنوا، وابتلاهم بالمصائب والشدائد، حتى يرجعوا عن كفرهم، فما ردهم ذلك عما كانوا فيه من الكفر واستمروا على غيهم وضلالهم، وما خشعوا وما دعوا، كما قال تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ* فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ* فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ} [الأنعام: 42 - 44]، وقال سبحانه: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ} [الأنفال: 38]، وقال: {وَمَا نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا وَأَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الزخرف: 48]،
والآيات بهذا المعنى كثيرة، ومن الآيات الظاهرة الدلالة على رحمة الله العامة وحفظه ورعايته تشمل جميع المخلوقات، حتى الكفار قوله تعالى: {رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا} [غافر: 7].
فالله سبحانه قرن الرحمة مع العلم، وعلم الله بالغ لكل شيء، فكل ما بلغه علم الله فقد بلغته رحمته.
ولكن حفظ الله للكافر ورحمته له دنيوية فقط إن مات على كفره؛ وذلك من عدل الله؛ لأنه عمل للدنيا وحدها، فيلقى نتيجة عمله في هذه الدنيا، ويتمتع بها كما يريد، ولكن ليس له في الآخرة إلا النار، لأنه لم يقدم للآخرة شيئاً، ولم يحسب لها حساباً.
وقد نبه على هذا الإمام ابن القيم في كتابه "طريق الهجرتين" (ص: 317)، فقال:
"فانظر إلى هذه العناية وهذا الإحسان وهذا التحنن والعطف والتحبب إلى العباد واللطف التام بهم، ومع هذا كله بعد أن أرسل إليهم رسله وأنزل عليهم كتبه وتعرف إليهم بأسمائه وصفاته وآلائه، ينزل كل ليلة إلى سماء الدنيا يسأل عنهم ويستعرض حوائجهم بنفسه ويدعوهم إلى سؤاله، فيدعو مسيئهم إلى التوبة، ومريضهم إلى أن يسأله أن يشفيه، وفقيرهم إلى أن يسأله غناه، وذا حاجتهم يسأله قضاءَها كل ليلة، ويدعوهم إلى التوبة وقد حاربوه وعذبوا أولياءَه وأحرقوهم بالنار؛ قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ} [البروج: 10] .
وقال بعض السلف: انظروا إلى كرمه كيف عذبوا أولياءه وحرقوهم بالنار، ثم هو يدعوهم إلى التوبة".
هذا؛ والله أعلم.