الرد على من تقول إن مستواها الإيماني لا يؤهلها للبس الحجاب
خالد عبد المنعم الرفاعي
كيف نجيب الفتاة المسلمة التي تمتنع عن لبس الحجاب بحجة أن مستواها الإيماني لم يوصلها لارتداءه وتخشى خلع الحجاب بعد وضعه لهذا السبب؟
- التصنيفات: تزكية النفس - الطريق إلى الله -
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بارك الله فيكم على هذا الموقع الطيب المبارك أسأله جل وعلا أن يجعل عملكم هذا في ميزان حسناتكم. السؤال هو كيف نجيب الفتاة المسلمة التي تمتنع عن لبس الحجاب بحجة أن مستواها الإيماني لم يوصلها لارتداءه وتخشى خلع الحجاب بعد وضعه لهذا السبب ؟
الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ ومن والاهُ، أمَّا بعدُ:
فلا شك أن امتناع الفتاة المسلمة عن ارتداء الحجاب لهذه الحجة الهشة، هو من إلقاء الشيطان في ذهنها، فزين لها ترك العمل وتضييع الحق؛ قال الله تعالى: {وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ} [فصلت: 25].
فكيف تعارض أوامر الله تعالى القاطعة بمثل هذا، وقد أجمع العلماء على أن القرآن لا يعارضه رأي ولا معقول ولا قياس ولا ذوق ووجد وإلهام ومكاشفة. وما تذكره تلك الفتاة هو تعدٍ لحدود الله تعالى؛ بل هو سوء الفهم للشريعة الإسلامية، فليس لأحد أن يعدل عما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا يخالفه في شيء من الأمور، بل على جميع الخلق أن يتبعوه ويسلموا لحكمه، وقال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} [النساء: 59]، قال تعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء: 65].
فالهداية لا تكون إلا في طاعة الله ورسوله، وليس في ترك العمل؛ ففي الصحيحين قال صلى الله عليه وسلم: «إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم».
بل إن ترك العمل بعض أوامر الله يكون سببًا لإشاعة العداوة والبغضاء؛ قال تعالى: {وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} [المائدة: 14].
والحاصل أن انقياد المسلم واستسلامه لمنهج الله ليس نافلة ولا تطوعًا ولا موضع اختيار، إنما هو الإيمان أو إتباع الهوى؛ قال تعالى: {فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [القصص: 50].
وليس للمسلم أن يقرر غير ما قرره الله؛ قال تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا} [الأحزاب: 36].
فأمر المؤمنين والمؤمنات كافة إلى الله، ليس لهم منه شيء، وليس لهم في أنفسهم خيرة؛ إنما هي إرادة الله وقدره الذي يسير كل شيء، ويستسلم له المؤمن الاستسلام الكامل الصريح، فلا خيار لرجل أو امرأة في ترك شيء مما أمر الله به بأي تأويل؛ {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ* إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ} [الجاثية: 18، 19].
أيضًا: فإن الله تعالى أعلم بمصالح العباد، وأعرف بطبائعهم، وليس للمسلم إلا الاستسلام المطلق لقدر الله الشرعي، والعمل بكل ما في الطاقة، والانقياد لأوامر الله ورسوله، مهما كانت صعبة وشاقة على النفس، ودون خجل من أحد من الناس، فالمؤمن الصادق هو الذي يصدق في تحقيق طاعة ربه سبحانه وتعالى، وامتثال أوامره واجتناب نواهيه، وليس للمؤمن ولا المؤمنة أن يتلكآ أو يترددا في الأمر، بل يجب السمع والطاعة مباشرة عملاً بقوله وقال تعالى: {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ*وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ} [النور: 51، 52].
وأيضًا فإن ترك الحجاب يستلزم التبرج، والتبرج محرم منهي عنه قال الله تعالى: {وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى} [الأحزاب: 33] وقوله سبحانه: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} [النور: 31]، ولا يمكن الانتهاء عن التبرج إلا بالالتزام بالحجاب، وأوامر الله ونواهيه يجب الامتثال لها على الفور.
وكون الحجاب له مسؤوليات شرعية لا تستطيع القيام بها ليس عذرًا في ترك الحجاب، فإن المؤمن دائما متوكل على الله مستعينًا به: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا* وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا} [الطلاق: 2، 3]، وقال: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت: 69].
إذا تقرر هذا، فلا يسع تلك المرأة إلا السمع والطاعة لله تعالى، بلا تردد ولا جدال؛ فحكم الله ورسوله هو الحكم وما عداه الهوى، ولتتأمل قوله تعالى: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ} [النور: 52]، فالاستجابة لأمر الله مقرونة بالفلاح؛ لأن الله هو الذي يدبر الأمور، وينظم العلاقات، ويحكم بين الناس بعلمه وعدله، والعاقل هو من لا يتخبط، ولا تتوزع طاقاته، ولا يمزقه الهوى، ولا تقوده الشهوات والأهواء.
هذا؛ والله أعلم.