الرد على شبهة إباحة الغناء

منذ 2018-08-05

هناك شبهة مفادها إباحة الأغاني والموسيقى استنادا على الحديث الوارد في صحيح مسلم والذي ورد فيه قول أبي بكر رضي الله عنه " أمزمار الشيطان في بيت رسول الله ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم " دعهن فإنه يوم عيد " أرجو الرد على ذلك

السؤال:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

هناك شبهة مفادها إباحة الأغاني والموسيقى استنادا على الحديث الوارد في صحيح مسلم والذي ورد فيه قول أبي بكر رضي الله عنه " أمزمار الشيطان في بيت رسول الله ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم " دعهن فإنه يوم عيد " أرجو الرد على ذلك جزاكم الله خيرا

الإجابة:

الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ ومن والاهُ، أمَّا بعدُ:

فالحديث المذكور رواه البخاري ومسلم عن عائشة، أن أبا بكر، دخل عليها والنبي صلى الله عليه وسلم عندها يوم فطر أو أضحى، وعندها قينتان تغنيان بما تقاذفت الأنصار يوم بعاث، فقال أبو بكر: مِزْمَارُ الشيطان؟ مرتين، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «دعهما يا أبا بكر، إن لكل قوم عيدًا، وإن عيدنا هذا اليوم»، وفي رواية عند مسلم قالت: "دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندي جاريتان، تغنيان بغناء بعاث، فاضطجع على الفراش، وحول وجهه، فدخل أبو بكر فانتهرني، وقال: مزمار الشيطان عند رسول الله صلى الله عليه وسلم؟" الحديثَ.

والمتأمل للحديث الشريف يدرك أنه دليل على تحريم الغناء وليس العكس، فقد قع التنفير عنه وعلل بكونه مِزْمَارُ الشيطان، وقول عائشة: جاريتان من جواري الأنصار، أي لم يبلغا بعد، ونحو هذا مما نبه عليه أهل العلم.

وقد يقال إن الحديث ليس في محل النزاع! إذ كيف يستدل بحداء جاريتين صغيرتين، وبكلمات قيلت في الحرب على ما يفعله نساء زماننا من مجون يمونه غناء.

قال الحافظ بن حجر في "فتح الباري" (2/ 442):

"واستدل جماعة من الصوفية بحديث الباب على إباحة الغناء وسماعه بآلة وبغير آلة، ويكفي في رد ذلك تصريح عائشة في الحديث الذي في الباب بعده بقولها: (وليستا بمغنيتين)، فنفت عنهما من طريق المعنى ما أثبته لهما باللفظ؛ لأن الغناء يطلق على رفع الصوت، وعلى الترنم الذي تسميه العرب النَصْب، وعلى الحداء ولا يسمى فاعله مغنيًا، وإنما يسمى بذلك من ينشد بتمطيط وتكسير، وتهييج وتشويق بما فيه تعريض بالفواحش أو تصريح، قال القرطبي: قولها ليستا بمغنيتين، أي ليستا ممن يعرف الغناء كما يعرفه المغنيات المعروفات بذلك، وهذا منها تحرز عن الغناء المعتاد عند المشتهرين به، وهو الذي يحرك الساكن ويبعث الكامن، وهذا النوع إذا كان في شعر فيه وصف محاسن النساء والخمر وغيرهما من الأمور المحرمة، لا يختلف في تحريمه". اهـ.

وقال العلامة ابن القيم رحمه الله في "إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان" (1/ 257):

"فلم ينكر رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبى بكر تسميته الغناء مزمار الشيطان، وأقرَّهما؛ لأنهما جاريتان غير مكلفتين تغنيان بغناء الأعراب، الذى قيل في يوم حرب بعاث من الشجاعة، والحرب، وكان اليوم يوم عيد.

فتوسع حزب الشيطان في ذلك إلى صوت امرأة جميلة أجنبية، أو صبي أمرد صوته فتنة، وصورته فتنة، يغنى بما يدعو إلى الزنى والفجور، وشرب الخمور، مع آلات اللهو التي حرمها رسول الله صلى الله عليه وسلم في عدة أحاديث، كما سيأتي، مع التصفيق والرقص وتلك الهيئة المنكرة التي لا يستحلها أحد من أهل الأوثان، فضلاً عن أهل العلم والإيمان، ويحتجون بغناء جويريتين غير مكلفتين بنشيد الأعراب ونحوها في الشجاعة ونحوها وفى يوم عيد، بغير شبابة ولا دف، ولا رقص ولا تصفيق، ويدعون المحكم الصريح، لهذا المتشابه؛ وهذا شأن كل مبطل.

نعم، نحن لا نحرم ولا نكره مثل ما كان في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك الوجه، وإنما نحرم وسائر أهل العلم والإيمان السماع المخالف لذلك، وبالله التوفيق". اهـ.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (11/ 566-567):

"ولما كان الغناء والضرب بالدف والكف من عمل النساء كان السلف يسمون من يفعل ذلك من الرجال مخنثًا، ويسمون الرجال المغنين مخانيث، وهذا مشهور في كلامهم...إلى أن قال بعدما ذكر حديث عائشة السابق:

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم معرضًا بوجهه عنهما، مقبلاً بوجهه الكريم إلى الحائط، فقال: «دعهما يا أبا بكر فإن لكل قوم عيدًا، وهذا عيدنا أهل الإسلام»، ففي هذا الحديث بيان: أن هذا لم يكن من عادة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الاجتماع عليه؛ ولهذا سماه الصديق مزمار الشيطان، والنبي صلى الله عليه وسلم أقرَّ الجواري عليه معللاً ذلك بأنه يوم عيد، والصغار يرخص لهم في اللعب في الأعياد؛ كما جاء في الحديث: «ليعلم المشركون أن في ديننا فسحة»، وكان لعائشة لعب تلعب بهن ويجئن صواحباتها من صغار النسوة يلعبن معها.

وليس في حديث الجاريتين أن النبي صلى الله عليه وسلم استمع إلى ذلك، والأمر والنهي إنما يتعلق بالاستماع لا بمجرد السماع؛ كما في الرؤية فإنه إنما يتعلق بقصد الرؤية لا بما يحصل منها بغير الاختيار، وكذلك في اشتمام الطيب إنما ينهى المحرم عن قصد الشم، فأما إذا شم ما لم يقصده فإنه لا شيء عليه. وكذلك في مباشرة المحرمات كالحواس الخمس: من السمع والبصر والشم والذوق واللمس. إنما يتعلق الأمر والنهي من ذلك بما للعبد فيه قصد وعمل، وأما ما يحصل بغير اختياره فلا أمر فيه ولا نهي.

إنما النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك طلبًا للأفضل والأكمل، كمن اجتاز بطريق فسمع قومًا يتكلمون بكلام محرم فسد أذنيه؛ كيلا يسمعه فهذا حسن ولو لم يسد أذنيه لم يأثم بذلك، اللهم إلا أن يكون في سماعه ضرر ديني لا يندفع إلا بالسد". اهـ.

إذا تقرر هذا، فالحديث حجة على حرمة الغناء وليس العكس، وإنما هو حجة على غناء الأطفال في الأعياد بغير موسيقا،، والله أعلم

خالد عبد المنعم الرفاعي

يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام

  • 25
  • 13
  • 79,048

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً