الكافتريا والشيشة
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:
فإنَّ من القواعد المقرَّرة في الشَّريعة الإسلامية: أنه يحرم معاونة العاصي على معْصيته، بأي وجه من الوجوه؛ لقوله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [المائدة: 2].
وبناء على هذه القاعدة فإنه لا يجوز أن تفتح كافتريا تقدم فيها الشيشا، وإن فعلتَ، تكن مشاركًا له في الإثم؛ فقد روى مسلم وأبو داود عن أم سلمة، عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: (... فَمَنْ أَنْكَرَ فَقَدْ بَرِئَ، وَمَنْ كَرِهَ فَقَدْ سَلِمَ، وَلَكِنْ مَنْ رَضِىَ وَتَابَعَ)، وفي رواية: (فمن كره فَقَدْ بَرِئَ، ومن أنكر فَقَدْ سَلِمَ، وَلَكِنْ مَنْ رَضِىَ وَتَابَعَ)، فالحديث نصٌ صريح في أن من رضي بالمنكر، له نفس وزر فاعله؛ فلأن يأثم من عاونه أولى وأحرى، فالمتعين على المسلم الحق البراءة المنكر، بأن يغيِّره بيديه أو بلسانه، فإن عجز، فليكرهه بقلبه وهذا أضعف الإيمان كما صحَّ عن الصادق المصدوق – صلى الله عليه وسلم.
قال النووي: (فمن كره فقد برئ)؛ معناه: من كره ذلك المنكر، فقد برئ من إثمه وعقوبته، وهذا في حق من لا يستطيع إنكاره بيده لا لسانه، فليكرهه بقلبه، وليبرأ.
وقوله - صلى الله عليه وسلم -: (ولكن من رضي وتابع)؛ معناه: لكن الإثم والعقوبة على من رضي وتابع.
وفيه دليل على أن من عجز عن إزالة المنكر لا يأثم بمجرد السكوت؛ بل إنما يأثم بالرضا به، أو بألاَّ يكرهه بقلبه أو بالمتابعة عليه". اهـ. مختصرًا.
وتأَمَّل حديث أبى سعيد الخُدْرِي - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم – قال: ( إِيَّاكُمْ والجُلُوسُ بالطُّرُقَات). فقالوا: "يا رسول الله، ما لنا من مجالسنا بُدّ نَتَحَدَّثُ فيها"، فقال: (إِذَا أَبَيْتُمْ إلاَّ المجلس فَأَعْطُوا الطريق حَقَّه)، قالوا: "ومَا حَقُّ الطريق يا رسول الله"، قال: (غَضُّ البصر، وكَفُّ الأَذَى، ورَدُّ السلام، والأمر بالمعروف والنَّهْي عن المنكر)؛ مُتَّفَقٌ عليه.
ولا أظن أن من يجلس على المقاهي في زماننا يلتزم بهذه الشروط.
وعليه، فلتبحث عن عمل آخر مباح؛ قال - تعالى -: {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ * فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ} [الذاريات: 22 – 23]، وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إنَّ رُوحَ القُدُس نَفَثَ في رَوْعِي أنَّ نفسًا لن تَمُوتَ حتى تَسْتَكْمِلَ أَجَلَها وتَسْتَوْعِبَ رِزْقَها؛ فاتَّقُوا الله، وأَجْمِلُوا في الطَّلَب، ولا يَحْمِلَنَّ أحَدَكم استبطاءُ الرزق أن يَطْلُبَه بمعصية الله؛ فإن الله - تعالى - لا يُنال ما عنده إلا بطاعته)؛ رواه أبو نُعَيْم في "الحلية"، من حديث أبي أُمَامَةَ، وصحَّحه الألباني،، والله أعلم.
- المصدر: