فَصْل قول القائل الكمال والنقص من الأمور النسبية
منذ 2006-12-01
السؤال: فَصْل قول القائل الكمال والنقص من الأمور النسبية
الإجابة: وأما قول القائل: الكمال والنقص من الأمور النسبية، فقد بينا أن
الذي يستحقه الرب هو الكمال الذي لا نقص فيه بوجه من الوجوه، وأنه
الكمال الممكن للموجود، ومثل هذا لا ينتفي عن الله أصلاً، والكمال
النسبي هو المستلزم للنقص، فيكون كمالاً من وجه دون وجه، كالأكل
للجائع كمال له، وللشبعان نقص فيه، لأنه ليس بكمال محض بل هو مقرون
بالنقص.
والتعالى والتكبر والثناء على النفس، وأمر الناس بعبادته ودعائه، والرغبة إليه ونحو ذلك مما هو من خصائص الربوبية، هذا كمال محمود من الرب تبارك وتعالى وهو نقص مذموم من المخلوق.
وهذا كالخبر عما هو من خصائص الربوبية،كقوله:{إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا} [طه:14]، وقوله تعالى:{ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر:60]، وقوله: {وَإِن تُبْدُواْ مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللّهُ} [البقرة:284] وقوله: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَن يَسْبِقُونَا} [العنكبوت:4]، وقوله: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ} [الحجر:42]، وقوله: {إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ} [غافر:51]، وقوله: {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق: 2- 3]، وأمثال هذا الكلام الذي يذكر الرب فيه عن نفسه بعض خصائصه، وهو في ذلك صادق في إخباره عن نفسه بما هو من نعوت الكمال، هو أيضًا من كماله، فإن بيانه لعباده وتعريفهم ذلك هو أيضًا من كماله.
وأما غيره فلو أخبر بمثل ذلك عن نفسه لكان كاذبًا مفتريًا، والكذب من أعظم العيوب والنقائص.
وأما إذا أخبر المخلوق عن نفسه بما هو صادق فيه، فهذا لا يذم مطلقًا، بل قد يحمد منه إذا كان في ذلك مصلحة، كقول النبي صلى الله عليه وسلم .
وأما إذا كان فيه مفسدة راجحة أو مساوية، فيذم لفعله ما هو مفسدة، لا لكذبه، والرب تعالى لا يفعل ما هو مذموم عليه، بل له الحمد على كل حال، فكل ما يفعله هو منه حسن جميل محمود.
وأما على قول من يقول: الظلم منه ممتنع لذاته فظاهر، وأما على قول الجمهور من أهل السنة والقدرية، فإنه إنما يفعل بمقتضى الحكمة والعدل، فأخباره كلها وأقواله وأفعاله كلها حسنة محمودة، واقعة على وجه الكمال الذي يستحق عليه الحمد، وله من الأمور التي يستحق بها الكبرياء والعظمة ما هو من خصائصه تبارك وتعالى.
فالكبرياء والعظمة له بمنزلة كونه حيًا قيومًا قديمًا واجبًا بنفسه، وأنه بكل شيء عليم وعلى كل شيء قدير، وأنه العزيز الذي لا ينال، وأنه قهار لكل ما سواه.
فهذه كلها صفات كمال لا يستحقها إلا هو، فما لا يستحقه إلا هو كيف يكون كمالاً من غيره وهو معدوم لغيره؟ فمن ادعاه كان مفتريًا منازعًا للربوبية في خواصها، كما ثبت في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم قال .
وجملة ذلك: أن الكمال المختص بالربوبية ليس لغيره فيه نصيب، فهذا تحقيق اتصافه بالكمال الذي لا نصيب لغيره فيه، ومثل هذا الكمال لا يكون لغيره، فادعاؤه منازعة للربوبية، وفِرْيَةٌ على الله.
ومعلوم أن النبوة كمال للنبي، وإذا ادعاها المفترون كمُسَيْلَمَةَ وأمثاله كان ذلك نقصًا منهم؛ لا لأن النبوة نقص، ولكن دعواها ممن ليست له هو النقص، وكذلك لو ادعى العلم والقدرة والصلاح من ليس متصفًا بذلك، كان مذمومًا ممقوتًا، وهذا يقتضي أن الرب تعالى متصف بكمال لا يصلح للمخلوق، وهذا لا ينافى أن ما كان كمالاً للموجود من حيث هو موجود، فالخالق أحق به، ولكن يفيد أن الكمال الذي يوصف به المخلوق بما هو منه إذا وصف الخالق بما هو منه، فالذي للخالق لا يماثله ما للمخلوق ولا يقاربه.
وهذا حق، فالرب تعالى مستحق للكمال مختص به على وجه لا يمثاله فيه شيء، فليس له سَمِيٌّ ولا كُفْؤ، سواء كان الكمال مما لا يثبت منه شيء للمخلوق كربوبية العباد والغنى المطلق ونحو ذلك، أو كان مما يثبت منه نوع للمخلوق، فالذي يثبت للخالق منه نوع هو أعظم مما يثبت من ذلك للمخلوق، عظمة هي أعظم من فضل أعلى المخلوقات على أدناها.
وملخص ذلك: أن المخلوق يذم منه الكبرياء والتجبر وتزكية نفسه أحيانًا ونحو ذلك.
وأما قول السائل: فإن قلتم: نحن نقطع النظر عن متعلق الصفة وننظر فيها، هل هي كمال أم نقص؟ وكذلك نحيل الحكم عليها بأحدهما، لأنها قد تكون كمالاً لذات نقصًا لأخرى على ما ذكر.
فيقال: بل نحن نقول: الكمال الذي لا نقص فيه للممكن الوجود هو كمال مطلق لكل ما يتصف به.
وأيضًا، فالكمال الذي هو كمال للموجود من حيث هو موجود يمتنع أن يكون نقصًا في بعض الصور؛ لأن ما كان نقصًا في بعض الصور تامًا في بعض، هو كمال لنوع من الموجودات دون نوع، فلا يكون كمالاً للموجود من حيث هو موجود.
ومن الطرق التي بها يعرف ذلك: أن نقدر موجودين: أحدهما متصف بهذا، والآخر بنقيضه، فإنه يظهر من ذلك أيهما أكمل، وإذا قيل: هذا أكمل من وجه، وهذا أنقص من وجه، لم يكن كمالاً مطلقًا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن تيمية - المجلد السادس (العقيدة)
والتعالى والتكبر والثناء على النفس، وأمر الناس بعبادته ودعائه، والرغبة إليه ونحو ذلك مما هو من خصائص الربوبية، هذا كمال محمود من الرب تبارك وتعالى وهو نقص مذموم من المخلوق.
وهذا كالخبر عما هو من خصائص الربوبية،كقوله:{إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا} [طه:14]، وقوله تعالى:{ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر:60]، وقوله: {وَإِن تُبْدُواْ مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللّهُ} [البقرة:284] وقوله: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَن يَسْبِقُونَا} [العنكبوت:4]، وقوله: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ} [الحجر:42]، وقوله: {إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ} [غافر:51]، وقوله: {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق: 2- 3]، وأمثال هذا الكلام الذي يذكر الرب فيه عن نفسه بعض خصائصه، وهو في ذلك صادق في إخباره عن نفسه بما هو من نعوت الكمال، هو أيضًا من كماله، فإن بيانه لعباده وتعريفهم ذلك هو أيضًا من كماله.
وأما غيره فلو أخبر بمثل ذلك عن نفسه لكان كاذبًا مفتريًا، والكذب من أعظم العيوب والنقائص.
وأما إذا أخبر المخلوق عن نفسه بما هو صادق فيه، فهذا لا يذم مطلقًا، بل قد يحمد منه إذا كان في ذلك مصلحة، كقول النبي صلى الله عليه وسلم .
وأما إذا كان فيه مفسدة راجحة أو مساوية، فيذم لفعله ما هو مفسدة، لا لكذبه، والرب تعالى لا يفعل ما هو مذموم عليه، بل له الحمد على كل حال، فكل ما يفعله هو منه حسن جميل محمود.
وأما على قول من يقول: الظلم منه ممتنع لذاته فظاهر، وأما على قول الجمهور من أهل السنة والقدرية، فإنه إنما يفعل بمقتضى الحكمة والعدل، فأخباره كلها وأقواله وأفعاله كلها حسنة محمودة، واقعة على وجه الكمال الذي يستحق عليه الحمد، وله من الأمور التي يستحق بها الكبرياء والعظمة ما هو من خصائصه تبارك وتعالى.
فالكبرياء والعظمة له بمنزلة كونه حيًا قيومًا قديمًا واجبًا بنفسه، وأنه بكل شيء عليم وعلى كل شيء قدير، وأنه العزيز الذي لا ينال، وأنه قهار لكل ما سواه.
فهذه كلها صفات كمال لا يستحقها إلا هو، فما لا يستحقه إلا هو كيف يكون كمالاً من غيره وهو معدوم لغيره؟ فمن ادعاه كان مفتريًا منازعًا للربوبية في خواصها، كما ثبت في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم قال .
وجملة ذلك: أن الكمال المختص بالربوبية ليس لغيره فيه نصيب، فهذا تحقيق اتصافه بالكمال الذي لا نصيب لغيره فيه، ومثل هذا الكمال لا يكون لغيره، فادعاؤه منازعة للربوبية، وفِرْيَةٌ على الله.
ومعلوم أن النبوة كمال للنبي، وإذا ادعاها المفترون كمُسَيْلَمَةَ وأمثاله كان ذلك نقصًا منهم؛ لا لأن النبوة نقص، ولكن دعواها ممن ليست له هو النقص، وكذلك لو ادعى العلم والقدرة والصلاح من ليس متصفًا بذلك، كان مذمومًا ممقوتًا، وهذا يقتضي أن الرب تعالى متصف بكمال لا يصلح للمخلوق، وهذا لا ينافى أن ما كان كمالاً للموجود من حيث هو موجود، فالخالق أحق به، ولكن يفيد أن الكمال الذي يوصف به المخلوق بما هو منه إذا وصف الخالق بما هو منه، فالذي للخالق لا يماثله ما للمخلوق ولا يقاربه.
وهذا حق، فالرب تعالى مستحق للكمال مختص به على وجه لا يمثاله فيه شيء، فليس له سَمِيٌّ ولا كُفْؤ، سواء كان الكمال مما لا يثبت منه شيء للمخلوق كربوبية العباد والغنى المطلق ونحو ذلك، أو كان مما يثبت منه نوع للمخلوق، فالذي يثبت للخالق منه نوع هو أعظم مما يثبت من ذلك للمخلوق، عظمة هي أعظم من فضل أعلى المخلوقات على أدناها.
وملخص ذلك: أن المخلوق يذم منه الكبرياء والتجبر وتزكية نفسه أحيانًا ونحو ذلك.
وأما قول السائل: فإن قلتم: نحن نقطع النظر عن متعلق الصفة وننظر فيها، هل هي كمال أم نقص؟ وكذلك نحيل الحكم عليها بأحدهما، لأنها قد تكون كمالاً لذات نقصًا لأخرى على ما ذكر.
فيقال: بل نحن نقول: الكمال الذي لا نقص فيه للممكن الوجود هو كمال مطلق لكل ما يتصف به.
وأيضًا، فالكمال الذي هو كمال للموجود من حيث هو موجود يمتنع أن يكون نقصًا في بعض الصور؛ لأن ما كان نقصًا في بعض الصور تامًا في بعض، هو كمال لنوع من الموجودات دون نوع، فلا يكون كمالاً للموجود من حيث هو موجود.
ومن الطرق التي بها يعرف ذلك: أن نقدر موجودين: أحدهما متصف بهذا، والآخر بنقيضه، فإنه يظهر من ذلك أيهما أكمل، وإذا قيل: هذا أكمل من وجه، وهذا أنقص من وجه، لم يكن كمالاً مطلقًا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن تيمية - المجلد السادس (العقيدة)
- التصنيف: