حكم من خلع ملابس الإحرام بعدما أحرم بالحج
بعد ان احرمت وذهبت الي عرفات يوم 8 ذو الحجه ليلا خلعت ملابس الاحرام وعدت الي مكه للمبيت بها ثن احرمت يو 9 ذو الحجه وذهبت الي عرفات مرة اخري فهل حجي صحيح ؟
الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ عَلَى رسولِ اللهِ، وعَلَى آلِهِ وصحبِهِ وَمَن والاهُ، أمَّا بعدُ:
فإن المحرم بالحج يحرم عليه لبس ملابسه بعد الإحرام، إلا لضرورة مرض ونحوه، وتلزمه الفدية ولا إثم عليه للعذر، لقوله تعالى: {وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة: 196].
أما من لبس ملابسه بعد الإحرام بغير ضرورة وهو يعلم التحريم والمنع، فهو آثم وتجب عليه التوبة والاستغفار، كما تجب عليه الفدية وهي شاة تذبح وتوزع لفقراء الحرم، أو إطعام ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع أي كيلو من الطعام لكل واحد، أو صيام ثلاثة أيام وهو بالخيار في الفدية.
فإن كان جاهلا لمحظورات الإحرام، فلا شيء عليه؛لأن من رحمة الله تعالى أن الحكم الشرعي لا يثبت في حق المكلفين إلا بعد البلاغ فمن كان جاهلاً أو لم يبلغه الحكم، فإنه لا شيء عليه قال - تعالى -: {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا} [البقرة: 286]، وفي صحيح مسلم أنَّ الله تعالىقال: ((قد فعلت)).
قال تعالى: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [الأحزاب: 5].
ولقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((رُفع عن أمتي الخطأُ والنسيانُ وما استكرهوا عليه))؛ رواه ابن ماجه وابن حبان وغيرهما.
فقال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (22/ 41-45):
"والأظهر أنه لا يجب قضاء شيء من ذلك، ولا يثبت الخطاب إلا بعد البلاغ، لقوله تعالى: {لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} [الأنعام: 19]، وقوله: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإسراء: 15]، ولقوله: {لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا } [النساء: 165]، ومثل هذا في القرآن متعدد، بين سبحانه أنه لا يعاقب أحدا حتى يبلغه ما جاء به الرسول.
ومن علم أن محمدًا رسول الله فآمن بذلك، ولم يعلم كثيرًا مما جاء به، لم يعذبه الله على ما لم يبلغه، فإنه إذا لم يعذبه على ترك الإيمان بعد البلوغ، فإنه لا يعذبه على بعض شرائطه إلا بعد البلاغ أولى وأحرى.
وهذه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم المستفيضة عنه في أمثال ذلك؛ فإنه قد ثبت في الصحاح أن "طائفة من أصحابه ظنوا أن قوله تعالى {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ } [البقرة: 187]، هو الحبل الأبيض من الحبل الأسود، فكان أحدهم يربط في رجله حبلاً، ثم يأكل حتى يتبين هذا من هذا فبين النبي صلى الله عليه وسلم أن المراد بياض النهار، وسواد الليل، ولم يأمرهم بالإعادة"...وثبت عنه في الصحيحين أنه سئل - وهو بالجعرانة: عن رجل أحرم بالعمرة، وعليه جبة، وهو متضمخ بالخلوق، فلما نزل عليه الوحي قال له: "انزع عنك جبتك، واغسل عنك أثر الخلوق، واصنع في عمرتك ما كنت صانعا في حجك"، وهذا قد فعل محظورًا في الحج، وهو لبس الجبة، ولم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك بدم ولو فعل ذلك مع العلم للزمه دم". اهـ.
وعليه فإن كان السائل يعلم محظورات الإحرام، وأنه لا يجوز له لبس المخيط بعد الإحرام، فتجب عليه التوبة والكفارة، وإن كان جاهلاً للحكم فلا شيء عليه،، والله أعلم.
- المصدر: