حكمة تحريم ربا الفضل
خالد عبد المنعم الرفاعي
يقول شاب : عندي جار يعمل في التموين الغذائي وتجتمع عنده العملة (الدينار الجزائري) من نوع النقد ، ويحب أن يجمعه عندي من نوع الأوراق من نفس العملة، فيقول لي: اجتمع عندي كذا خذه وأتني به من نوع الأوراق لاحقا ، حيث لا أحمل في ذاك الحين شيئا من النوع الورقي فما حكم هذه المعاملة؟ وهل أخذها على أساس الدين نقدا لأرجعها له أوراقا مخرج شرعي لذلك؟ مع أن النية الأولى هي الصرف؟ وإذا كانت محرمة فما الحكمة من التحريم مع عدم ظهور وجه الضرر فيها وفقكم الله
الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ عَلَى رسولِ اللهِ، وعَلَى آلِهِ وصحبِهِ وَمَن والاهُ، أمَّا بعدُ:
فمما لا شك فيه أن الحكمة من تحريم رِبَا الْفَضْلِ أخفى منها في ربا النسيئة، حتى كان هذا سببًا في ذهاب بعض الصحابة بإباحته إلى أن بلغهم الحجيث المحرم، ولم أجد مع طول البحث من شفى الغليل في تلك المسألة غير أبي عبدالله بن القيم رحمه الله فقال في كتابه "إعلام الموقعين عن رب العالمين" (2/ 104):
"وأما ربا الفضل فتحريمه من باب سد الذرائع، كما صرح به في حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا تبيعوا الدرهم بالدرهمين؛ فإني أخاف عليكم الرما"، والرما هو الربا، فمنعهم من ربا الفضل لما يخافه عليهم من ربا النسيئة، وذلك أنهم إذا باعوا درهما بدرهمين، ولا يفعل هذا إلا للتفاوت الذي بين النوعين - إما في الجودة، وإما في السكة، وإما في الثقل والخفة، وغير ذلك - تدرجوا بالربح المعجل فيها إلى الربح المؤخر، وهو عين ربا النسيئة، وهذه ذريعة قريبة جدا؛ فمن حكمة الشارع أن سد عليهم هذه الذريعة، ومنعهم من بيع درهم بدرهمين نقدًا ونسيئة؛ فهذه حكمة معقولة مطابقة للعقول، وهي تسد عليهم باب المفسدة".
ثم ذكر بعد ذلك الحكمة من بيع الأصناف الربوية نسيئة، فقال في نفس المصدر (3/ 123):
"أنه حرم التفريق في الصرف وبيع الربوي بمثله قبل القبض؛ لئلا يتخذ ذريعة إلى التأجيل الذي هو أصل باب الربا، فحماهم من قربانه باشتراط التقابض في الحال، ثم أوجب عليهم فيهم التماثل، وأن لا يزيد أحد العوضين على الآخر إذا كانا من جنس واحد؛ حتى لا يباع مد جيد بمدين رديئين وإن كانا يساويانه، سدًا لذريعة ربا النساء الذي هو حقيقة الربا، وأنه إذا منعهم من الزيادة مع الحلول - حيث تكون الزيادة في مقابلة جودة أو صفة أو سكة أو نحوهما - فمنعهم منها حيث لا مقابل لها إلا مجرد الأجل أولى؛ فهذه هي حكمة تحريم ربا الفضل التي خفيت على كثير من الناس، حتى قال بعض المتأخرين: لا يتبين لي حكمة تحريم ربا الفضل، وقد ذكر الشارع هذه الحكمة بعينها؛ فإنه حرمه سدا لذريعة ربا النساء، فقال في حديث تحريم ربا الفضل: «فإني أخاف عليكم الرما» والرما هو الربا، فتحريم الربا نوعان: نوع حرم لما فيه من المفسدة وهو ربا النسيئة، ونوع حرم تحريم الوسائل وسدا للذرائع؛ فظهرت حكمة الشارع الحكيم وكمال شريعته الباهرة في تحريم النوعين، ويلزم من لم يعتبر الذرائع ولم يأمر بسدها أن يجعل تحريم ربا الفضل تعبدا محضا لا يعقل معناه كما صرح بذلك كثير منهم". اهـ.
إذا تقرر هذا، فلا يجوز لك ألمصارفة إلا مع القبض، يدًا بيد، فإن تعذر هذا فيمكنك أن تكون وكيلاً عن ذلك الرجل فتقبض منه العملة المعدنية، حتى تحضر له العملة الورقية،، والله أعلم.