حكم بيع أو صيانة أجهزة الحاسوب والسماعات وأجهزة المحمول والريسيفر
فإن تحققتْ أو غلب على ظنِّكَ أنَّ أجهزة تُستعمل في عصيان الله - عزَّ وجل - فلا يجوز بيعها أو صيانتها؛ لما فيه مِنْ تعاوُنٍ على الإثْم والعدوان، وإن لم تتيقن أو يغلب على ظنك استعمالها في الحرام، أو كان الأمر ملتبسًا، فلا بأس من بيعها أو صيانتها.
أولا :- هل يجوز لي العمل في بيع وصيانة اجهزة الكمبيوتر. حيث أن الغالب الان على استخدامات الكمبيوتر في أشياء محرمة مثل مشاهدة الأفلام وسماع الاغاني. وأعلم ايضا أنة يستخدم في اشياء غير محرمة فهل هكذا يصبح المال الذي أتكسبه مالا مختلطا.. مع العلم اني لا أقوم بوضع أي أشياء محرمة من افلام او أغاني عند بيعه للمستهلك. ولكني بالطبع اقوم بتجهيزة بوضع له برامج تشغيل للصوتيان والفيديوهات. ومتصغحات الانترنت. ثانيا :- هل يجوز العمل في بيع السماعات حيث انها ايضا تستخدم في سماع الاغاني وايضا القران ولكني أعلم انها تستخدم في الغالب في سماع الاغاني. ثالثا :- العمل في بيع اجهزة المحمول الحديثة. حيث انها ايضا تستخدم في امور مباحة ولكنها ايضا تستخدم في امور محرمة مثلها مثل الكمبيوتر والسماعات. فهل يصبح المال مختلطا. رابعا :-، العمل في بيع الريسفرات وطبعا القنوات الفضائية غنية عن التعريف. مع العلم اني ابيعها مجردة بدون قنوات. فهل يعتبر عملي في هذة الاشياء إعانة مني على ما حرم الله. أعتذر للإطالة. ولكنه الأمر يؤرقني كثيرا واريد إجابة شافية جزاكم الله خيرا.
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:
فإنَّ الأَصْل في إصلاح وصيانة أجهِزة الحاسوب الحِلُّ، حتَّى إن كان هناك احتمال أن تُستَخدم في الحرام؛ كوضع ما لا يَجوز من الأغاني أو غيرها، وإنَّما تحْرُم الصيانة إذا تَحقَّق، أو غَلَبَ على الظَنِّ أنَّها تُستخدم في الحرامِ الصِّرف، وفيما لا يُرْضِي الله؛ لأنَّ الوسائلَ لَها أحكامُ المقاصد، وما يوصِّل إلى الحرام يَكون مِثْلَه؛ لأنَّ في ذلك إعانةً له على ما حرَّم اللهُ تعالى؛ قال - عزَّ وجلَّ -: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2].
والقاعدة فيما يصح بيعه أو صيانته، أن كل ما كانت منفعته مباحة، ولو بغالب الظن، جاز بيعه وصيانته، وإن ما غلب على الظن سوء الاستعمال، فيحرم بيعه وصيانته، وهذا الأمر متحقق في الريسفر والسماعات، فالغلب فيه سوء الاستعمال.
وإن قلنا بجواز صيانة أجهزة الحاسوب، فيجب عدْم وضْع برامج تشغيل الفيديو.
ومن أفضل من فصل في تلك المسائل الإمام الشَّوكاني في كتابه "السَّيل الجرَّار"(ص:485- 486):
"فكل ما كان يتعلق به منفعة يحلها الشرع، فبيعه جائز وكل ما كان لا منفعة له أصلاً، أو كانت تلك المنفعة غير جائزة، فبيعه غير جائز؛ لأن الوسيلة إلي الحرام حرام، ولكن لا بد أن يكون النفع في ذلك الشيء لا يكون في حرام على كل حال.
أما لو كان مما يمكن أن يكون نفعه حلالاً في حالة وحرامًا في حالة، أو مما يستعمله هذا في حرام وهذا في حلال، فإن علم البائع أن ذلك المشتري لا يستعمله إلا في حرام، لم يحل بيعه، وإن علم أنه يستعمله في حلال، حل بيعه، وإن بقي الأمر ملتبسًا - مع إمكان استعماله في الحلال والحرام - جاز بيعه؛ لأنه لم يوجد المانع من البيع، ومجرد التردد مع عدم الترجيح لا اعتبار به.
فإن قلت وما الدليل الذى دل على المنع مما نفعه حرم، قلت ما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم في الصحيحين من حديث جابر قال إنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام"، فقيل: يا رسول الله أرأيت شحوم الميتة فإنه يطلى بها السفن ويدهن بها الجلود ويستصبح بها الناس؟ فقال: "لا هو حرام"، فصرح صلى الله عليه وسلم بأن بيع ذلك حرام مع بيانهم لوجوه الانتفاع به، ثم قال بعد ذلك: "قاتل الله اليهود إن الله لما حرم عليهم شحومها جملوه ثم باعوه وأكلوا ثمنه".
وأخرج أحمد وأبو دأود بإسناد رجاله ثقات من حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لعن الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فباعوها وأكلوا أثمانها وإن الله إذا حرم على قوم أكل شيء حرم عليهم ثمنه"، فصرح صلى الله عليه وسلم بأن الحرمة مانعة من البيع، والتحريم كما يكون في أعيان الأشياء يكون أيضًا في منافعها؛ ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تبيعوا القينات المغنيات ولا تشتروهن ولا تعلموهن ولا خير في تجارة فيهن، وثمنهن حرام"، فجعل صلى الله عليه وسلم ثمنهن حرامًا؛ لأن الغالب أنهن لا يبعن إلا للغناء مع كون الانتفاع بهن في غيره ممكنًا كالوطئ والخدمة.
فالحاصِلُ: أنَّه إذا كان الغالب في الانتِفاع بالمَبيع هو المنفعة المُحَرَّمَة، فلا يَجوزُ بيعُه، وكانتْ هذه الغلبةُ تُوجِبُ حصولَ الظَّنِّ للبائِعِ بِأَنَّ المشتَرِيَ ما أرادَ بِشِرَائِه لتِلْكَ العين إلا تلك المنفعة المحرَّمة، وأمَّا إذا لم تَكُنْ ثَمَّ غَلَبةٌ، فالأمْرُ كما قدَّمنا، ومن هذا بيع العنب والتمر إلي من يغلب على الظن أنه يتخذه خمرًا وبيع آلات الملاهي إلي من يلهو بها، فإن ذلك غير جائز؛ لأن تلك المنفعة حرام وكل حرام يحرم بيعه، والمنفعة هى المقصودة لا مجرد العين من غير نظر إلي وجه من وجوه الانتفاع بها، فَإِنَّ البَيْعَ إليْه، مع العِلْمِ والظَّنِّ بِأَنَّهُ يستَعْمِلُه في معصيةٍ، لا يَجُوزُ؛ لِما تَقَدَّمَ؛ بل يَحْرُم، مثلًا بيع الحمار الأهلي إذا علم البائع أو ظن أن المشتري اشتراه ليأكله؛ لأن هذا البيع وسيلة إلي الحرام وذريعة إلي ما لا يحل، ووسائل الحرام حرام وقد". اهـ.
وعليه؛ فإن تحققتْ أو غلب على ظنِّكَ أنَّ أجهزة تُستعمل في عصيان الله - عزَّ وجل - فلا يجوز بيعها أو صيانتها؛ لما فيه مِنْ تعاوُنٍ على الإثْم والعدوان، وإن لم تتيقن أو يغلب على ظنك استعمالها في الحرام، أو كان الأمر ملتبسًا، فلا بأس من بيعها أو صيانتها،، والله أعلم.
- التصنيف:
- المصدر: