حكم من جامع امرأته من ظهرها
خالد عبد المنعم الرفاعي
إن كان الأخ السائل يقصد بالجماع من الظهر، إتيانَ المرأة في الدُّبر، فهو محرمٌ في كتاب الله، وسنة رسوله، وَعَلَى ذلك عامةُ أئمة المسلمين ... وإن كان يقصد إتيانها من ظهرها في فرجها أي في موضع الولد، فلا بأس بذلك.
- التصنيفات: فقه الزواج والطلاق -
ما حكم من جامع امرأته من ظهرها
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبه ومن والاه، أما بعدُ:
فإن كان الأخ السائل يقصد بالجماع من الظهر، إتيانَ المرأة في الدُّبر، فهو محرمٌ في كتاب الله، وسنة رسوله، وَعَلَى ذلك عامةُ أئمة المسلمين؛ من الصحابة، والتابعين، وغيرهم؛ وقد رَوَى أبو دَاوُدَ، والترمذيُّ، والنسائيُّ وغيرُهُم، وصَحَّحَهُ الألبانيُّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَنْ أَتَى حَائِضًا، أَوِ امْرَأَةً فِي دُبُرِهَا، فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ".
كما أن السنة المشرفة دلت على أنه من كبائِرِ الذُّنُوبِ حيث لَعَنَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فاعِلَها، فقال: "مَلْعُونٌ مَنْ أَتَى امْرَأَةً فِي دُبُرِهَا"؛ رواه أبو داود. وروى الترمذي عن ابن عباس مرفوعًا: "لَا يَنْظُرُ اللهُ إِلَى رَجُلٍ أَتَى رَجُلًا، أَوْ امْرَأَةً فِي الدُّبُرِ".
عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: "تِلْكَ اللُّوطِيَّةُ الصُّغْرَى"؛ يَعْنِي: إِتْيَانَ الْمَرْأَةِ فِي دُبُرِهَا؛ رواه أحمدُ، والبزارُ، ورجالُهُما رجالُ الصحيح، وحسنه الألباني.
وقال أيضًا: "مَنْ أَتَى كَاهِنًا، فَصَدَّقَه، أَوْ أَتَى امرَأَةً في دُبُرِهَا، فَقَدْ كَفَرَ بما أُنزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ"؛ رواه أحمد، وصححه الألباني.
فهذه الأحاديثُ الشريفةُ تدلُّ صراحةً عَلَى تحريمِ وَطْء الزوجةِ فِي دُبُرها، ونصّ شيخ الإسلام ابن تيمية أن الواجبُ في حق هذا الزوج أن يُؤَدَّبَ، وَيُعَزَّرَ، وإذا أصرَّ، فُرِّقَ بينه وبين زوجته، فقال:
"ومتى وَطِئَها في الدبر، وطاوَعَتْهُ عُزِّرَا جميعًا؛ وإلا فُرِّقَ بينهما؛ كما يُفَرَّقُ بينَ الفَاجِرِ، ومن يَفْجُرُ بِهِ".
أما إن كان يقصد إتيانها من ظهرها في فرجها أي في موضع الولد، فلا بأس بذلك؛ لأن الله تعالى قال في كتابه: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} [البقرة: 223]، وهذه الآية الشريفة تحرم إتيان المرأة في الدبر موضع النجو، وتبيح إتيانها في الفرج موضع الولد؛ كما ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ: أَنَّ الْيَهُودَ كَانُوا يَقُولُونَ: إذَا أَتَى الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ فِي قُبُلِهَا مِنْ دُبُرِهَا، جَاءَ الْوَلَدُ أَحْوَلَ، فَسَأَلَ الْمُسْلِمُونَ عَنْ ذَلِكَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَنْزَلَ اللهُ هَذِهِ الْآيَةَ: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} [البقرة: 223]، والْحَرْثُ: مَوْضِعُ الزَّرْعِ، وَالْوَلَدُ إنَّمَا يُزْرَعُ فِي الْفَرْجِ، لَا فِي الدُّبُرِ، {فَأْتُوا حَرْثَكُمْ}، وَهُوَ مَوْضِعُ الْوَلَدِ {أَنَّى شِئْتُمْ}؛ أَيْ: مِنْ أَيْنَ شِئْتُمْ؛ مِنْ قُبُلِهَا، وَمِنْ دُبُرِهَا، وَعَنْ يَمِينِهَا، وَعَنْ شِمَالِهَا؛ فَاَللهُ - تَعَالَى - سَمَّى النِّسَاءَ حَرْثًا؛ وَإِنَّمَا رَخَّصَ فِي إتْيَانِ الحُرُوثِ، وَالْحَرْثُ إنَّمَا يَكُونُ فِي الْفَرْجِ، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية.
وقال الإمام ابن القيم في "زاد المعاد في هدي خير العباد" (4/ 235 -242):
"وَقَدْ دَلَّتِ الْآيَةُ عَلَى تَحْرِيمِ الْوَطْءِ فِي دُبُرِهَا مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ أَبَاحَ إِتْيَانَهَا فِي الْحَرْثِ، وَهُوَ مَوْضِعُ الْوَلَدِ لَا فِي الْحُشِّ الَّذِي هُوَ مَوْضِعُ الْأَذَى، وَمَوْضِعُ الْحَرْثِ هُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ: {مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ} [البقرة: 222] الْآيَةَ، قَالَ: {فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} [البقرة: 223]، وَإِتْيَانُهَا فِي قُبُلِهَا مِنْ دُبُرِهَا مُسْتَفَادٌ مِنَ الْآيَةِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ قَالَ: {أَنَّى شِئْتُمْ}؛ أَيْ: مِنْ أَيْنَ شِئْتُمْ مِنْ أَمَامٍ أَوْ مِنْ خَلْفٍ؛ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {فَأْتُوا حَرْثَكُمْ} [البقرة: 223]؛ يَعْنِي: الْفَرْجَ". اهـ.
وكذلك إن كان يقصد الاستمتاع بمُداعبة الأليتَيْن من غير إيلاج، فإنه يجوز أيضًا.
قال ابن قُدامة في" المغني": ولا بأس بالتَّلَذُّذ بها بين الأليتَيْن من غير إيلاجٍ؛ لأن السُّنَّةَ إنما وردتْ بتحريم الدُّبُر، فهو مخصوصٌ بذلك، ولأنَّه حُرِّم لأجل الأذى، وذلك مخصوص بالدبُر، فَاخْتَصَّ التحْرِيمُ بِه". اهـ.
قال الإمام النووي: "ويجوز الاستمتاع بها فيما بين الأليتَيْن". اهـ.
هذا؛ والله أعلم.