أسافر عشر أيام إلى العمل وأرجع إلى البيت عشر أيام
خالد عبد المنعم الرفاعي
للسائل أن يقصر الأيام العشرة، ولكن لا يجمع الصلاة إلا إذا احتاج إليه.
- التصنيفات: فقه الصلاة -
اسافر عشر أيام الي العمل والطريق فوق ال 80 كيلو وارجع الي البيت عشر أيام وأصلي قصرا واجمع في العشر أيام هل هذا صحيح
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:
فإنَّ الله تعالى وضع شطر الصلاة، أو نصف الصلاة والصوم عن المسافر؛ كما في الحديث الصحيح الذي رواه أحمد وأصحاب السنن، فيُشرع للمسافر قصر الصلاة من ساعة مفارقة بنيان مدينته أو محلِّ إقامته الذي يسكُن فيه إلى أن يرجع، قد دلت على هذا السنة المشرفة؛ ففي الصحيحين من حديث أنس بن مالك قال: "صليتُ مع رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - الظهر بالمدينة أربعًا، وصلَّيت معه العصر بذي الحليفة ركعتين".
أما مدة القصر في السفر فإن الثابت من فعل النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقصر الصلاة حتى يرجع للمدينة مهما طالت مدة الإقامة، كما في الحج وفتح مكة وتبوك مع إقامته في تلك الأماكن؛ ففي الصحيحين عن أنس قال: "خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى مكة، فصلى ركعتين ركعتين، حتى رجعنا إلى المدينة، قلت: أقمتم بها شيئا؟ قال: أقمنا بها عشرًا"، وعن جابر قال: "أقام النبي صلى الله عليه وسلم بتبوك عشرين يومًا يقصر الصلاة"؛ رواه أحمد وأبو داود.
وعن ابن عباس قال: لما فتح النبي صلى الله عليه وسلم مكة أقام فيها تسع عشرة يصلي ركعتين، قال: فنحن إذا سافرنا فأقمنا تسع عشرة قصرنا، وإن زدنا أتممنا؛ رواه أحمد والبخاري.
ولا شك أن قصره صلى الله عليه وسلم في تلك المدة لا ينفي القصر فيما زاد عليها، وهو ما عمل به كثير الصحابة كما أخرجه البيهقي وصححه الحافظ ابن حجر إن ابن عمر أقام بأذربيجان ستة أشهر يقصر الصلاة، وروي عن سعد بن أبي وقاص "أنه أقام بقرية من قرى نيسابور شهرين وكان يقصر الصلاة"
مجموع الفتاوى (22/ 81)
فثبت بهذه السنة المتواترة أن صلاة السفر ركعتان كما أن صلاة الحضر أربع فإن عدد الركعات إنما أخذ من فعل النبي صلى الله عليه وسلم الذي سنه لأمته وبطل قول من يقول من أصحاب أحمد والشافعي إن الأصل أربع وإنما الركعتان رخصة. وبنوا على هذا: أن القاصر يحتاج إلى نية القصر في أول الصلاة كما قاله الشافعي وهو قول الخرقي والقاضي وغيرهما. بل الصواب ما قاله جمهور أهل العلم وهو اختيار أبي بكر وغيره: أن القصر لا يحتاج إلى نية بل دخول المسافر في صلاته كدخول الحاضر".
وقال أيضًا في مجموع الفتاوى (24/ 18):
"... وأما من تبينت له السنة وعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يشرع للمسافر أن يصلي إلا ركعتين ولم يحد السفر بزمان أو بمكان ولا حد الإقامة أيضا بزمن محدود لا ثلاثة ولا أربعة ولا اثنا عشر ولا خمسة عشر فإنه يقصر. كما كان غير واحد من السلف يفعل حتى كان مسروق قد ولوه ولاية لم يكن يختارها فأقام سنين يقصر الصلاة. وقد أقام المسلمون بنهاوند ستة أشهر يقصرون الصلاة وكانوا يقصرون الصلاة مع علمهم أن حاجتهم لا تنقضي في أربعة أيام ولا أكثر. كما أقام النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بعد فتح مكة قريبًا من عشرين يوما يقصرون الصلاة وأقاموا بمكة عشرة أيام يفطرون في رمضان. وكان النبي صلى الله عليه وسلم لما فتح مكة يعلم أنه يحتاج أن يقيم بها أكثر من أربعة أيام. وإذا كان التحديد لا أصل له فما دام المسافر مسافرا يقصر الصلاة ولو أقام في مكان شهورًا".
أما الجمع فإنه يباح في السفر تقديمًا أو تأخيرًا بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء، وهو مذهبُ الجمهورِ من المالكيَّة والشافعيَّة، والحنابلة؛ لِثُبوته عنِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ففي الصحيح عن معاذ - رضي الله عنه – قال: "خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، فكان يصلي الظهر والعصر جميعًا، والمغرب والعشاء جميعًا".
ولكن الجمع يباح للحاجة والمصلحة، فمن لم يحتاج إليه يصلي الصلاة في وقتها، وهو مذهب شيخُ الإسلام ابن تيمية إلى أن الجمع جائز للحاجة والعذر فإذا احتاج إليه جمع؛ قال في"مجموع الفتاوى" (22/ 88):
"ليس السفر سبب للجمع كما هو سبب للقصر، فإن قصر العدد دائر مع السفر وجودًا وعدمًا، وأما الجمع فقد جمع في غير سفر، وقد كان في السفر يجمع للمسير، ويجمع في مثل عرفة ومزدلفة، ولا يجمع في سائر مواطن السفر، وأمر المستحاضة بالجمع؛ فظهر بذلك أن الجمع هو لرفع الحرج، فإذا كان في التفريق حرج جاز الجمع، وهو وقت العذر والحاجة".اهـ
وقال أيضًا: (22/ 290-292)
"... والذي مضت به سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه كان يقصر في السفر، فلا يصلي الرباعية في السفر إلا ركعتين، وكذلك الشيخان بعده أبو بكر ثم عمر، وما كان يجمع في السفر بين الصلاتين إلا أحيانًا عند الحاجة، لم يكن جمعه كقصره، بل القصر سنة راتبة، والجمع رخصة عارضة، قد اتفق العلماء على جواز القصر في السفر، واتفقوا أنه الأفضل إلا قولاً شاذًا لبعضهم، واتفقوا أن فعل كل صلاة في وقتها في السفر أفضل إذا لم يكن هناك سبب يوجب الجمع، إلا قولا شاذًا لبعضهم.
والقصر سببه السفر خاصة لا يجوز في غير السفر، وأما الجمع فسببه الحاجة والعذر؛ فإذا احتاج إليه جمع في السفر القصير والطويل، وكذلك الجمع للمطر ونحوه، وللمرض ونحوه، ولغير ذلك من الأسباب؛ فإن المقصود به رفع الحرج عن الأمة، ولم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه جمع في السفر وهو نازل إلا في حديث واحد، ولهذا تنازع المجوزون للجمع، كمالك والشافعي وأحمد، هل يجوز الجمع للمسافر النازل؟ فمنع منه مالك وأحمد في إحدى الروايتين عنه وجوزه الشافعي وأحمد في الرواية الأخرى، ومنع أبو حنيفة الجمع إلا بعرفة ومزدلفة".
إذا تقرر هذا، فللسائل أن يقصر الأيام العشرة، ولكن لا يجمع الصلاة إلا إذا احتاج إليه، رفعًا للحرج،، والله أعلم.