حكم الامتناع عن التداوي
الحمدُ لله، والصلاةُ والسلامُ على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعدُ:
فلا شك أن من ترك التداوي توكلا على الله وتسليمًا لأمره، فهو أفضل من التداوي، ولكن هذا ما لم يغلب على الظن نفع الدواء أو تحقق التلف بتركه، فإنه حينئذ يجب التداوي، ولا يجوز تركه؛ لأن الشارعُ الحكيم نهانا عن إهلاك أنفسنا قال تعالى: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [البقرة: 195]، وقال: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} [النساء: 29]،
وقد رجح شيخ الإسلام ابن تيمية وجوب التداوي إن كان سببا للحياة، قياسًا على وجوب أكل المضطر للميتة لبقاء حياته، فقال في "مجموع الفتاوى" (18/ 12):
"والتحقيق: أن منه ما هو محرم، ومنه ما هو مكروه، ومنه ما هو مباح، ومنه ما هو مستحب، وقد يكون منه ما هو واجب وهو: ما يعلم أنه يحصل به بقاء النفس لا بغيره؛ كما يجب أكل الميتة عند الضرورة، فإنه واجب عند الأئمة الأربعة وجمهور العلماء، وقد قال مسروق: من اضطر إلى أكل الميتة فلم يأكل حتى مات دخل النار، فقد يحصل أحيانًا للإنسان إذا استحر المرض ما إن لم يتعالج معه مات، والعلاج المعتاد تحصل معه الحياة كالتغذية للضعيف وكاستخراج الدم أحيانا". اهـ.
وهو ما رجحه أيضًا الشيخ ابن عثيمين في كتابه "الشرح الممتع" (5/ 111):
"وقال بعض العلماء: إنه يجب التداوي إذا ظن نفعه.
والصحيح: أنه يجب إذا كان في تركه هلاك، مثل: السرطان الموضعي، فالسرطان الموضعي بإذن الله إذا قطع الموضع الذي فيه السرطان فإنه ينجو منه، لكن إذا ترك انتشر في البدن، وكانت النتيجة هي الهلاك، فهذا يكون دواء معلوم النفع؛ لأنه موضعي يقطع ويزول، وقد خرب الخضر السفينة بخرقها لإنجاء جميعها، فكذلك البدن إذا قطع بعضه من أجل نجاة باقيه كان ذلك واجباً.
وعلى هذا فالأقرب أن يقال ما يلي:
1 ـ أن ما علم، أو غلب على الظن نفعه مع احتمال الهلاك بعدمه، فهو واجب.
2 ـ أن ما غلب على الظن نفعه، ولكن ليس هناك هلاك محقق بتركه فهو أفضل.
3 ـ أن ما تساوى فيه الأمران فتركه أفضل". اهـ.
هذا؛ ونوصي الأخت السائلة بالصبر واحتساب الأجر الجزيل من الله تعالى، إحسان الظن بالله تعالى، ولتقبل بشارة النبي صلى الله عليه وسلم في عاقبة صبر المؤمن على البلاء؛ فقال صلى الله عليه وسلم: "ومن يتصبر يصبره الله، وما أعطي أحد عطاء خيرا وأوسع من الصبر"؛ متفق عليه، وقال صلى الله عليه وسلم: "عجبًا لأمر المؤمن، إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له"؛ رواه مسلم.
وفي الصحيحين قال صلى الله عليه وسلم: "ما يصيب المؤمن من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه"، وقال صلى الله عليه وسلم: "ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده وماله حتى يلقى الله تعالى وما عليه خطيئة"؛ رواه الترمذي.
وعليه، فيجب عليكِ التداوي؛ لأن الأطباء حذروك أن ترك التداوي يؤدي للوفاة، ولكن عدم التداوي في تلك الحال لا يعد انتحارًا،، والله أعلم.
- المصدر: