معني: (وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُهُمْ وَلا يَضُرُّهُمْ).
أبو إسحاق الحويني
أنه ينفعهم ويضر عدوهم أن يدفع عنهم نقمة الأعداء، والثاني: وهو أن، الله قد ينزل الضر بالعبد الطائع إما عن طريق البلاء الأمراض والمصائب.
- التصنيفات: القرآن وعلومه - ترجمة معاني القرآن الكريم -
ما معني قول الله تعالي: ( وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُهُمْ وَلا يَضُرُّهُمْ وَكَانَ الْكَافِرُ عَلَى رَبِّهِ ظَهِيرًا ) [الفرقان:55]؟ وأن العبد قد يعبد ما ينفعه لأنه سيحصل مصلحة لكن كيف يعبد من يضره؟
هذا سؤال وجيه وفي معناه بعض الغموض الذي يحتاج إلى تجليه وقد تكرر هذا المعني في غير آية من كتاب الله عز وجل: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ} [يونس: 18]، وقال تعالى: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُهُمْ وَلا يَضُرُّهُمْ وَكَانَ الْكَافِرُ عَلَى رَبِّهِ ظَهِيرًا} [الفرقان:55]، وقال تعالي: {قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعًا} [المائدة: 76] ولما عاب إبراهيم عليه السلام على قومه أنهم يعبدون الأصنام قال: {قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ، أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ} [ الشعراء: 73، 72].
فالجواب أن الضرر هنا على معنيين:-
المعني الأول: أنه ينفعهم ويضر عدوهم أن يدفع عنهم نقمة الأعداء، حتى تحصل كما يقول العلماء المراد من بعثة الأنبياء لأن لو ظل المؤمنون هكذا منهزمين بصفة دائمة لم تحصل المقصود من البعثة أن العدو يكون دائما هازمهم على الدوام، لا، لابد أن يعاين المؤمنون نصر الله عز وجل والنكاية التي يحدثها في الأعداء.
ومنه قوله تعالي: {فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام: 45].
المعني الثاني: وهو المعني الأخفى وهو أن، الله تبارك وتعالى قد ينزل الضر بالعبد الطائع إما عن طريق البلاء الأمراض والمصائب وإنما يفعل الله هذا بالعبد لأشياء من أهمها أنه قد يرفع درجات العبد بهذا الضر الذي أنزله به كما صح من حديث أبي هريرة رضي الله عنه الذي رواه أبو يعلى ومن طريقه بن حبان وصححه أبو عبد الله الحاكم في المستدرك عن النبي صلي الله عليه وسلم وكذلك رواه الإمام أحمد في مسنده عن رجل من أصحاب النبي صلي الله عليه وسلم ولكن إسناده مجهول في مسند الإمام أحمد: {إذا سبقت للعبد من الله منزلة لم يبلغها بعمله ابتلاه في جسده وماله وولده حتى يبلغه المنزلة التي سبقــت له منه}، أي سبقت لله تبارك وتعالى منه .
فالعبد عندما يبتلي، أولاً لم يثبت لله عز وجل من الأعمال ما يرتقى به إلى الدرجة التي كتب الله عز وجل أن يبلغها هذا العبد، فيبتليه هذا البلاء ليرقيه ويرفعه إلى المنزلة، فحينئذٍ يحمد القوم السرى كما يقال، الله عز وجل قد ينزل البلاء بالعبد لأجل هذا .
أو قد ينزل البلاء بالعبد إذا اغتر العبد بعمله حتى يرجعه إلى حظيرة العبودية العبد يكون مغرور فيحدث له مصائب فينكسر هذا العبد حتى يرجع مرة أخرى فيتلبس برداء العبودية وهو أقدم ميثاق أخذه الله على العبد، فهذا العبد وإن كان الضرر الذي نزل به يكون ضرراً عنده لكن فيه عاقبة محمودة لو أن العبد نظر إليها بعين الإيمان لعلم أن الله عز وجل لطف به وكما يقال: (أن المنح تخرج من أرحام المحن).
ولذلك كان من صفات الإله العظيم أنه يوقع الضر إما بأعداء أهل الإيمان أو يوقع الضر بأهل الإيمان هو عندهم ضر، لكنه ليس ضرًا محضًا لأن الله تبارك وتعالي لا يفعل بالمؤمن إلا خيرًا.