حكم دخول الحائض المسجد لتعلم القرآن
السلام عليكم انا احفظ القران في المسجد مع مرشدة يوميا تقريبا اود ان استفسرهل ايام الدورة امنع من الدهاب للمسجد ام يجوز لاني في حكم المتعلمة؟
الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ عَلَى رسولِ اللهِ، وعَلَى آلِهِ وصحبِهِ وَمَن والاهُ، أمَّا بعدُ:
فإن الراجح من قولي أهل العلم هو جواز دخول الحائض المسجد إذا دعت الحاجة لذلك؛ لأن النبي رخص للحائض أن تناوله الخمرة من المسجد؛ كما في الصحيح عن عائشة قالت: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ناوليني الخمرة من المسجد"، فقلت: إني حائض، فقال: "إن حيضتك ليست في يدك"، والمعنى أن الحيضة في الفرج، والفرج لا ينال المسجد، وهذه العلة تقتضي إباحة دخول الحائض المسجد مطلقًا، وعن ميمونة قالت: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدخل على إحدانا وهي حائض فيضع رأسه في حجرها فيقرأ القرآن وهي حائض، ثم تقوم إحدانا بخمرته فتضعها في المسجد وهي حائض"؛ رواه أحمد والنسائي.
لكن هذين الحديثين معارضان بما رُوي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم – قال: "لا أحل المسجد لجنب ولا حائض"، وهو حديث ضعيف، وعلى فرض ثبوته فيجمع بجواز دخول المسجد للضرورة أو الحاجة.
واستدلوا ثانية بقوله - صلى الله عليه وسلم - لعائشة لما حاضت وهي محرمة بالحج: "اصنعي ما يصنع الحجاج، غير ألا تطوفي بالبيت حتى تغتسلي"، وقد أجاب شيخ الإسلام على وجه الاستدلال بحديث عائشة في "مجموع الفتاوى" (26/ 176-181) فقال:
"فنهيه الحائض عن الطواف بالبيت إما أن يكون لأجل المسجد؛ لكونها منهية عن اللبث فيه، وفي الطواف لبث، أو عن الدخول إليه مطلقًا لمرور أو لبث، وإما أن يكون لكون الطواف نفسه يحرم مع الحيض؛ كما يحرم على الحائض الصلاة والصيام بالنص والإجماع؛ ومس المصحف عند عامة العلماء وكذلك قراءة القرآن في أحد قولي العلماء... إما أن يكون لكل منهما، وإما أن يكون لمجموعهما، بحيث لو انفرد أحدهما لم يحرم، فإن كان تحريمه للأول لم يحرم عليها عند الضرورة فإن لبثها في المسجد لضرورة جائز، كما لو خافت من يقتلها إذا لم تدخل المسجد، أو كان البرد شديدًا أو ليس لها مأوى إلا المسجد؛ وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم وغيره عن عائشة - رضي الله عنها - أنها قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ناوليني الخمرة من المسجد فقلت: إني حائض قال: "إن حيضتك ليست في يدك"، وعن ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضع رأسه في حجر إحدانا يتلو القرآن وهي حائض، وتقوم إحدانا بخمرته إلى المسجد فتبسطها وهي حائض"؛ رواه النسائي، وقد روى أبو داود من حديث عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا أحل المسجد لجنب ولا حائض"، رواه ابن ماجه من حديث أم سلمة، وقد تكلم في هذين الحديثين. ولهذا ذهب أكثر العلماء كالشافعي وأحمد وغيرهما إلى الفرق بين المرور واللبث جمعًا بين الأحاديث، ومنهم من منعها من اللبث والمرور كأبي حنيفة ومالك، ومنهم من لم يحرم المسجد عليها؛ وقد يستدلون على ذلك بقوله تعالى: {وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ } [النساء: 43]، وأباح أحمد وغيره اللبث لمن يتوضأ؛ لما رواه هو وغيره عن عطاء بن يسار قال: " رأيت رجالاً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يجلسون في المسجد وهم مجنبون، إذا توضئوا وضوء الصلاة"، وذلك والله أعلم أن المسجد بيت الملائكة، والملائكة لا تدخل بيتا فيه جنب؛ كما جاء ذلك في السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم.... وأما الحائض فحدثها دائم لا يمكنها طهارة تمنعها عن الدوام، فهي معذورة في مكثها ونومها وأكلها، وغير ذلك-: فلا تمنع مما يمنع منه الجنب مع حاجتها إليه، ولهذا كان أظهر قولي العلماء أنها لا تمنع من قراءة القرآن إذا احتاجت إليه، كما هو مذهب مالك وأحد القولين في مذهب الشافعي ويذكر رواية عن أحمد؛ فإنها محتاجة إليها ولا يمكنها الطهارة كما يمكن الجنب، وإن كان حدثها أغلظ من حدث الجنب، فهذا يقتضي أن المقتضي للحظر في حقها أقوى، لكن إذا احتاجت إلى الفعل استباحت المحظور مع قيام سبب الحظر؛ لأجل الضرورة، كما يباح سائر المحرمات مع الضرورة: من الدم والميتة ولحم الخنزير، وإن كان ما هو دونها في التحريم لا يباح من غير حاجة: كلبس الحرير والشرب في آنية الذهب والفضة ونحو ذلك، وكذلك الصلاة إلى غير القبلة مع كشف العورة ومع النجاسة في البدن والثوب، هي محرمة أغلظ من غيرها وتباح بل تجب مع الحاجة وغيرها، وإن كان دونها في التحريم كقراءة القرآن الكريم مع عدم الحاجة لا تباح.
وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم الحيض أن يخرجن في العيد ويشهدن الخير ودعوة المسلمين ويكبرنَّ بتكبير الناس، وكذلك الحائض والنفساء أمرهما النبي صلى الله عليه وسلم بالإحرام والتلبية وما فيهما من ذكر الله، وشهودهما عرفة مع الذكر والدعاء ورمي الجمار مع ذكر الله وغير ذلك ولا يكره لها ذلك بل يجب عليها، والجنب يكره له ذلك حتى يغتسل؛ لأنه قادر على الطهارة بخلاف الحائض.
فهذا أصل عظيم في هذه المسائل ونوعها، لا ينبغي أن ينظر إلى غلظ المفسدة المقتضية للحظر، إلا وينظر مع ذلك إلى الحاجة الموجبة للإذن؛ بل الموجبة للاستحباب أو الإيجاب، وكل ما يحرم معه الصلاة يجب معه عند الحاجة إذا لم تمكن الصلاة إلا كذلك، فإن الصلاة مع تلك الأمور أخف من ترك". اهـ. موضع الشاهد منه مختصرًا.
وعليه، فإن لم يتيسر نقل درس القرآن أيام الدورة الشهرية في مكان آخر غير المسجد، فلا بأس من دخول الحائض المسجد من أجل مصلحة حفظ القرآن أو تعلمه أو تعليمه،، والله أعلم.
- المصدر: