حكم كتابة الأب جميع التركة لبناته
خالد عبد المنعم الرفاعي
السلام عليكم .ابي كتب لنا احنا 3 بنات فقط ولا يوجد اخوه ذكور كل ممتلكاته بيع وشراء في المحكمه .والان هو توفاه الله.هل يجوز ذالك.ولي عم وعمه علي قيد الحياه.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومن والاه، أمَّا بعدُ:
فقد أجاز الشارع الحكيم تصرفات كل إنسان عاقل مؤهل للتصرف في ملكه، فله أن يهب ممتلكاته كيفما شاء أو يتصدق بها ما لم يضر بمن ينفق عليه، غير أن الشارع الحكيم سبحانه وتعالى أو جب على الأب العدل بين الأبناء في الهبة، فلو عدل بين أبنائه ووهب لهم كل ما يملك على سبيل النفاذ، وقبضها الأبناء في حياة الأب، وإذا لم يقبضاها قبل موته، فإنها باطلة في المشهور من مذاهب جمهور العلماء من الأئمة الأربعة وغيرهم؛ لأنها حينئذ بمثابة الوصية للوارث، والوصية للورثة باطلة؛ كما قال - صلى الله عليه وسلم -: ((إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه؛ فلا وصية لوارث))؛ رواه أحمد وأبو داود عن أبي أمامة.
ويجوز كذلك أن يهب لبنات أخيه ما شاء من ماله إن كانت الهبة نافذة وليست معلقة بالموت، ولم يقصد حرمان الورثة من نصيبهم الشرعي، ولم يدفعه ذلك إلى الاحتياج للناس وسؤالهم.
وإذا عرف هذا؛ فإنه يجوز تقسيم الأب ماله بين بناته في حياته، إذا قسمت بينهن بالسوية ولم يقصد بذلك حرمان باقي الورثة، ويصبح المال ملكا لهن إذا أخذنه أو حيز لهن في حياة الأب وحال مضي تصرفه، وقبض الهبة حيازتها، حتى لا تكون هبة صورية، والقبض يتنوع بتنوع المال، فقبض العقارات يكون بالتخلية، أي أن يخلي بينه وبين العقار، وقبض الأموال والأثاث ونحوها يكون بنقله، فالقبض ليس له حدٌّ لا في اللغة ولا في الشرع، وإنما يرجع إلى العرف؛ كم بينه الأئمة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (29/ 20):
"والمقصود من العقود: إنما هو القبض والاستيفاء؛ فإن المعاقدات تفيد وجوب القبض أو جوازه... فإذا كان المرجع في القبض إلى عرف الناس وعاداتهم من غير حد يستوي فيه جميع الناس في جميع الأحوال والأوقات". اهـ.
وقال الشربيني الشافعي في "الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع" (2/ 280):
"وقبض غير منقول من أرض وشجر ونحو ذلك بالتخلية لمشتر، بأن يمكنه منه البائع ويسلمه المفتاح وبتفريغه من متاع غير المشتري؛ نظرًا للعرف في ذلك، وقبض المنقول من سفينة وحيوان وغيرهما بنقله مع تفريغ السفينة المشحونة بالأمتعة نظرًا أيضًا للعرف".
وهذا الحكم إنما يحكم به في ظاهر الحال، فإن كان قصده بالهبة حرمان بقية الورثة، فهو حرام قطعًا؛ لأن الميراث كما يقال جبري، فلا يجوز تحايل على إبطاله، سواء كان بوصية أو هبة؛ لأنَّه حقٌّ جعله الله - تعالى - لجميع الورَثَة، ولا يَملك أحدٌ إبطالَه، قال الله – تعالى -: {لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَفْرُوضاً}[النساء: 7]، ثم ذكر - سبحانه - عقب آيات المواريث: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ} [النساء:13، 14]، وقال - سبحانه -: { تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا } [البقرة: 229].
فالمواريثُ من حدود الله التي يجب الوقوفُ معها وعدمُ مجاوزتها، ولا القصورُ عنها، ولا الاحتيال على إبطال الشرع بحرمان بعض الورثة حقهم، ومن يخالف ذلك، توعَّده الله بالعذاب الأليم،، والله أعلم.