الفرق بين الرجاء والتمني
خالد عبد المنعم الرفاعي
السلام عليكم منذ فتره قرأت عن المسيح الدجال وان من اختار جنته فقد اختار النار والعكس فقلت انا يارب اذا كنت حيه ان اختار ناره حتى ادخل الجنه قم تذكرت انه لا يجوز ان اقول سأدخل الجنه فهل اكون دخلت بحكم انني لن ادخل الجنه والعياذ بالله
الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ ومن والاهُ، أمَّا بعدُ:
فما ذكرته الأخت السائلة ليس من القطع بدخول الجنة المنهي عنه، ولا أيضًا من التمني الكاذب أو الغرور إلا إذا عري عن العمل، فكل مؤمن يرجو ثواب الله وهو الجنة، ويخاف ذنوبه، ويحسن العمل من أجب ذلك، ويصدق بوعد الله الذي لا يتخلف، ولكنه لما كان كلُّ قولٍ أو عمل رتَّب عليه الشَّارع دخول الجنة أو مغفرة الذنوب أو عدم دخول النار، فإنَّما رتب هذا على القول التَّام؛ كقوْلِه: "مَن قال في يوم: "سبحان الله وبحمْده" مائةَ مرَّة، حطَّت عنه خطاياه، أو غُفِرَت ذنوبه، ولو كانت مثل زبد البحر"، وليس هذا مرتَّبًا على مجرَّد قول اللسان، ومن ثمّ تجد المؤمن دائما على وجل ألا يتقبل الله منه!
والحال أن العبارة المسؤول عنها هي من عقد القلب على فعل الخير والثبات على الحق، والعهد مع الله على الثبات في الفتن، كما ذكره الله تعالى عن المؤمنين الذين وفوا بالعهد وأتموه، وأكملوه، وبذلوا مهجهم في مرضاته، وسبَّلوا أنفسهم في طاعته، فقال سبحانه وتعالى: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا} [الأحزاب: 23].
وأيضَا هو من رجاء الله تعالى؛ كما وصف الله به عباده فقال تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ} [الإسراء: 57]، وابتغاء الوسيلة إليه هو طلب القرب منه بالعبودية والمحبة، وقال تعالى: { مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [العنكبوت: 5] وقال: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف: 110]، وقال تعالى: {أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ } [البقرة: 218].
وأيضًا هو من حسن الظن بالله وقد وصَّى به الشارع كما في الصحيح عن جابر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول - قبل موته بثلاث -: "لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بربه"، وفيه أيضًا قال صلى الله عليه وسلم: "يقول الله عز وجل: أنا عند ظن عبدي بي فليظن بي ما شاء".
ومما يبن هذا المعنى أكثر الحديث الذي رواه الترمذي وغير الخوف والرجاء يخاف عقاب الله على ذنوبه ويرجو رحمة ربه لحديث أنس المعروف عند الترمذي وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على شاب وهو بالموت، فقال: "كيف تجدك؟"، قال: والله يا رسول الله إني أرجو الله، وإني أخاف ذنوبي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يجتمعان في قلب عبد في مثل هذا الموطن إلا أعطاه الله ما يرجو، وأمنه مما يخاف".
هذا؛ وقد حرر شيخ الإسلام ابن القيم الفارق بين المعنى الصحيح للرجاء والمعنى المحرم، فقال في "مدارج السالكين"(2/ 37):
"والفرق بينه -يقصد: الرجاء- وبين التمني، أن التمني يكون مع الكسل، ولا يسلك بصاحبه طريق الجد والاجتهاد، والرجاء يكون مع بذل الجهد وحسن التوكل.
فالأول: كحال من يتمنى أن يكون له أرض يبذرها ويأخذ زرعها.
والثاني: كحال من يشق أرضه ويفلحها ويبذرها، ويرجو طلوع الزرع.
ولهذا أجمع العارفون على أن الرجاء لا يصح إلا مع العمل؛ قال شاه الكرماني: علامة صحة الرجاء حسن الطاعة.
والرجاء ثلاثة أنواع: نوعان محمودان، ونوع غرور مذموم.
فالأولان رجاء رجل عمل بطاعة الله على نور من الله فهو راج لثوابه، ورجل أذنب ذنوبًا ثم تاب منها، فهو راج لمغفرة الله تعالى وعفوه وإحسانه، وجوده وحلمه وكرمه.
والثالث: رجل متماد في التفريط والخطايا، يرجو رحمة الله بلا عمل، فهذا هو الغرور والتمني والرجاء الكاذب.
وللسالك نظران: نظر إلى نفسه وعيوبه وآفات عمله، يفتح عليه باب الخوف إلى سعة فضل ربه وكرمه وبره، ونظر يفتح عليه باب الرجاء؛ ولهذا قيل في حد الرجاء: هو النظر إلى سعة رحمة الله".
هذا؛ والله أعلم.