كيف أحقق محبة الله ومحبة الناس ؟
كيف أحقق محبة الله ومحبة الناس ؟
الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ عَلَى رسولِ اللهِ، وعَلَى آلِهِ وصحبِهِ وَمَن والاهُ، أمَّا بعدُ:
فمحبة الله تعالى وحده لا شريك له هي التي خلق خلقه لأجلها، وهي متضمنة لعبادته وحده لا شريك له؛ فالعبادة تتضمن غاية الحب بغاية الذل، ولا يصلح ذلك إلا لله عز وجل وحده، فالقلب إنما خلق لأجل حب الله تعالى، وعبادته وحده، وهذه الفطرة التي فطر الله الناس عليها، قد نطق الكتاب والسنة بمحبة العباد المؤمنين لله كما قال الله تعالى: {يحُبُّهُمْ وَيحُبُّونِهُ} [المائدة: 54]، وقوله {قُلْ إنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِى يُحْبْبِكْمْ اللهُ} [آل عمران: 31] وقوله {وَالّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبا للهِ} [البقرة: 165].
ولا يذوق طعم الإيمان وحلاوته إلا من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، ففي الصحيحين عن أنس قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم : "ثَلاَثٌ مَنْ كُن فِيهِ وَجَدَ حَلاَوَة الإيمَانِ: مَنْ كانَ اللهُ وَرَسُولُهُ أحَبَّ إلَيْهِ مَّمِا سِوَاهُما، وَأَنْ يُحِبَّ المَرْءَ لا يُحِبُّهُ إلا للهِ، وأَنْ يَكْرَهَ أنْ يَرْجِعَ فى الْكُفْرِ بَعْدَ إذْ أَنُقَذَهُ اللهُ تعالى مِنْهُ، كما يَكْرَهُ أَنْ يُلقَى فى النَّارِ"، وفي رواية: "لا يَجُد طَعْمَ الإِيمَانِ إلا مَنْ كانَ فِيهِ ثَلاثُ".
وفيهما عن أنس أيضًا قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: "وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أكُونَ أَحَبَّ إلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجَمَعِينَ".
فحب الله تعالى ينال بحسن الفرار إلى الله بالطاعات والمداومة على الفرائض ونوافل الأعمال،
كما أن غض البصر عن محارم الله يورث حب الله كما قال مجاهد
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه "التحفة العراقية" (ص: 77):
"وأصل المحبة هو معرفة الله سبحانه وتعالى، ولها أصلان: أحدهما وهو الذي يقال له محبة العامة؛ لأجل إحسانه إلى عباده، وهذه المحبة على هذا الأصل لا ينكرها أحد، فإن القلوب مجبولة على حب من أحسن إليها وبغض من اساء إليها، والله سبحانه هو المنعم المحسن إلى عبده بالحقيقة، فإنه المتفضل بجميع النعم، وإن جرت بواسطة إذ هو ميسر الوسائط وسبب الأسباب، لكن هذه المحبة إذا لم تجذب القلب إلى محبة الله نفسه، فما أحب العبد في الحقيقة إلا نفسه، وهذا ليس بمذموم بل محمود، وهذه المحبة هي المشار إليها بقوله: "أحبوا الله لما يغذوكم به من نعمه، وأحبوني لحب الله، وأحبوا أهلي بحبي"، والمتقصر على هذه هو لم يعرف من جهة الله ما يستوجب أنه يحبه إلا للإحسان إليه، وهذا كما قالوا إن الحمد لله على نوعين حمد هو شكر، وذلك لا يكون إلا على نعمته، وحمد هو ثناء عليه ومحبة له وهو بما يستحقه لنفسه سبحانه فكذلك الحب. فإن الأصل الثاني: هو محبته لما هو أهل، وهذا حب من عرف من الله ما يستحق أن يحب لأجله، وما من وجه من الوجوه التي يعرف الله بها، مما دلت عليه أسماؤه وصفاته إلا وهو يستحق المحبة الكاملة من ذلك الوجه، حتى جميع مفعولاته، إذ كل نعمة منه فضل وكل نقمة منه عدل، ولهذا استحق ان يكون محمودًا على كل حال، ويستحق أن يحمد على السراء والضراء، وهذا أعلى وأكمل، وهذا حب الخاصة، وهؤلاء هم الذين يطلبون لذة النظر إلى وجهه الكريم، ويتلذذون بذكره ومناجاته، ويكون ذلك لهم أعظم من الماء للسمك؛ لو أنقطعوا عن ذلك لوجدوا من الألم ما لا يطيقون، وهم السابقون؛ كما في صحيح مسلم عن أبي هريرة قال مر النبي صلى الله عليه وسلم بجبل يقال له جمدان، فقال: "سيروا هذا جمدان، سبق المفردون" قالوا يا رسول الله من المفردون؟ قال: "الذاكرون الله كثيرًا والذاكرات"، وفي رواية أخرى قال: "المستهترون بذكر الله، يضع الذكر عنهم اثقالهم فيأتون يوم القيامة خفافاً"، وفي حديث هارون بن عنترة عن أبيه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال: موسى يا رب أي عبادك أحب إليك؟ قال الذي يذكرني ولا ينساني". اهـ.
وقال الإمام ابن القيم في كتابه "طريق الهجرتين وباب السعادتين" (ص: 243):
"كلما عظم المطلوب كثرت العوارض والموانع دونه، هذه سنة الله في الخلق، فانظر إلى الجنة وعظمها وإلى الموانع والقواطع التي حالت دونها، حتى أوجبت أن ذهب من كل ألف رجل واحد إليها، وانظر إلى محبة الله، والانقطاع إليه، والإنابة إليه، والتبتل إليه وحده، والأُنس به، واتخاذه ولياً ووكيلاً وكافياً وحسيباً، هل يكتسب العبد شيئاً أشرف منه؟ وانظر إلى القواطع والموانع الحائلة دونه، حتى قد تعلق كل قوم بما تعلقوا به دونه، والطالبون له منهم الواقف مع عمله والواقف مع علمه، والواقف مع حاله، والواقف مع ذوقه وجمعيته وحظه من ربه، والمطلوب منهم وراءَ ذلك كله". اهـ.
أما تحصيل محبة الناس فهي مبنية على محبة الله تعالى؛ كما في الصحيحن عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "إذا أحب الله العبد نادى جبريل: إن الله يحب فلانًا فأحببه، فيحبه جبريل، فينادي جبريل في أهل السماء: إن الله يحب فلانًا فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض"، (القبول في الأرض) المحبة في قلوب من يعرفه من المؤمنين، ويبقى له ذكر صالح وثناء حسن.
ومن أسباب تحصيل محبة الناس عدم مزاحمتهم على الدنيا؛ لأن طباعهم جبلت على حب الدنيا، ومن نازع إنسان في محبوبه قلاه ومن تركه له أحبه واصطفاه.
ولذلك أوصى رسول الله بالزهد فيما في أيدي الناس؛ فروى ابن ماجة عن سهل بن ساعدي رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله دلني على عمل إذا عملته أحبني الله وأحبني الناس؟ فقال: "ازهد في الدنيا يحبك الله، وازهد فيما عند الناس يحبك الناس"، قال الإمام النووي في كتابه "الأذكار": حديث حسن رويناه في كتاب ابن ماجه.
قال الحسن البصري لا يزال الرجل كريمًا على الناس حتى يطمع في دنياهم، فيستخفون به، ويكرهون حديثه، وقيل لبعض أهل البصرة: من سيدكم؟ قال الحسن قال بم سادكم؟ قال: احتجنا لعلمه واستغنى عن دنيانا.
هذا؛ والله أعلم.
هذا؛ والله أعلم.
- المصدر: