هل من يصل رحمه مرة في العمر لا يكون قاطعًا
خالد عبد المنعم الرفاعي
السلام عليكم و رحمة الله وبركاته سمعت من احدى الاخوات ان من يصل رحمه مرة في العمر لا يكون قاطع رحم و انا لم اقتنع بكلامها و كانت متاكدة من كلامها . هل هي على حق ؟ اذ انها تؤكد ان زيارة واحدة مرة في العمر تكفي و لا ينبغي كثرة الزيارات في الاعياد و المناسبات و بهذا تكون واصل لرحمك.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبه ومن والاه، أما بعدُ:
فهذا الكلام خطأ محض، وجهل بمعنى الصلة وحقيقتها، وضابط القطيعة وحقيقتها، فقاطع الرَّحم: هو الذي لا يصِلُ رحِمه، سواء بالإساءة إلى الرَّحِم أو ترْك الإحْسان، أو بالهجْر والقطيعة، فالقاطع ضدّ المحسن، وصلة الرحم ليست الزيارة فقط، وإنما هي مجموع ما يحصل به إيصال النفع، ودفع الضر هو من الصلة، وكذلك تفقد الأخبار والأحوال، والمواساة بالمال، وتشاطركم الأحزان والأفراح، وغير ذلك كثير كلها من الصلة.
وقال الإمام النووي في "شرحه على مسلم" (16/ 112):
"قال العلماء: وحقيقة الصلة العطف والرحمة، فصلة الله سبحانه وتعالى عبارة عن لطفه بهم ورحمته إياهم وعطفه بإحسانه ونعمه أوصلتهم بأهل ملكوته الأعلى وشرح صدورهم لمعرفته وطاعته". اهـ.
مما يبين خطأ هذا الكلام أن صلة الرحم على مراتب متفاوتة، وليست على درجة واحدة؛ فهناك الرحم الخاصة، وهي: رحم القرابة من طرفي الرجل أبيه وأمه، فتجب لهم الحقوق الخاصة وزيادة؛ كالنفقة، وتفَقُّد أحوالهم، وترْك التغافُل عن تعاهدهم في أوقات ضروراتهم، وهناك الرحم العامة كغيرهم من الأقارب، وصلتهم متفاوتة تفاوتًأ كبيرًا، فالواجب فيها البدء بالأقرب فالأقرب.
قال القاضي عياض كما في - شرح النووي على مسلم (16/ 113) -
"ولا خلاف أن صلة الرحم واجبة في الجملة وقطيعتها معصية كبيرة قال والأحاديث في الباب تشهد لهذا ولكن الصلة درجات بعضها أرفع من بعض وأدناها ترك المهاجرة وصلتها بالكلام ولو بالسلام ويختلف ذلك باختلاف القدرة والحاجة فمنها واجب ومنها مستحب لووصل بعض الصلة ولم يصل غايتها لا يسمى قاطعا ولو قصر عما يقدر عليه وينبغي له لا يسمى واصلاً"
أما الصلة فالعول فيه على العرف الصحيح، ولما كانت صلة الرحم على مراتب متفاوتة فكانت صلتهم متفاوتة كذلك.
قال في "فيض القدير" (6/ 448):
"وقد ورد الحث فيما لا يحصى من الأخبار على صلة الرحم ولم يرد لها ضابط فالمعول على العرف ويختلف باختلاف الأشخاص والأحوال والأزمنة والواجب منها ما يعد به في العرف واصلا وما زاد تفضل ومكرمة الرحم والقرابة وهو من بينك وبينه نسب وإن لم يرث ولم يكن محرما على الأصح". اهـ.
هذا والله أعلم.