السفر بدون محرم للضرورة
الأصل الذي قررناه في فتاوى عدة أنه لا يجوز للمرأة أن تسافر بلا محرم، سواء كان السفر سفرَ قربة كالحج وزيارة الوالدين وبرهما، أو سفراً مباحا لغير ذلك من الأغراض.
زوجة صديق تحتاج للسفر من تونس إلى فرنسا، حيث كانت تعيش مع عائلتها قبل الزواج، حتى يتسنى لها حضور موعد للحصول على الجنسية الفرنسية، حتى تستطيع فيما بعد زيارة عائلتها بدون مشاكل. علما بأن زوجها سيوصلها إلى المطار قبل السفر بالطائرة، وأن أباها سيستقبلها في المطار عند الوصول. هل يجوز لها ذلك
الحمد لله
الأصل الذي قررناه في فتاوى عدة أنه لا يجوز للمرأة أن تسافر بلا محرم، سواء كان السفر سفرَ قربة كالحج وزيارة الوالدين وبرهما، أو سفراً مباحا لغير ذلك من الأغراض.
وقد دل على ذلك النص والاعتبار، فمن ذلك:
1- قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تُسَافِرْ الْمَرْأَةُ إِلا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ وَلا يَدْخُلُ عَلَيْهَا رَجُلٌ إِلا وَمَعَهَا مَحْرَمٌ فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَخْرُجَ فِي جَيْشِ كَذَا وَكَذَا وَامْرَأَتِي تُرِيدُ الْحَجَّ فَقَالَ اخْرُجْ مَعَهَا» (رواه البخاري 1862).
وروى مسلم (1339)
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لا يَحِلُّ لامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ تُسَافِرُ مَسِيرَةَ يَوْمٍ إِلا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ» وقد رويت أحاديث كثيرة في النهي عن سفر المرأة بلا محرم وهي عامة في جميع أنواع السفر.
2- ولأن السفر مظنة التعب والمشقة، والمرأة لضعفها تحتاج لمن يؤازرها ويقف إلى جوارها، وقد ينزل بها ما يفقدها صوابها، ويخرجها عن طبيعتها، في حال غياب محرمها، وهذا مشاهد معلوم اليوم لكثرة حوادث السيارات وغيرها من وسائل النقل.
وأيضا: سفرها بمفردها يعرضها للإغراء والمراودة على الشر، لاسيما مع كثرة الفساد، فقد يجلس إلى جوارها من لا يخاف الله، ولا يتقيه، فيزين لها الحرام. فمن تمام الحكمة أن تصاحب محرما في سفرها؛ لأن الهدف من وجود محرمها حفظُها وصيانتها والقيام بأمرها، والسفر عرضة لوقوع الأشياء الطارئة بغض النظر عن المدة.
قال النووي رحمه الله: " فَالْحَاصِل أَنَّ كُلّ مَا يُسَمَّى سَفَرًا تُنْهَى عَنْهُ الْمَرْأَة بِغَيْرِ زَوْج أَوْ مَحْرَم " انتهى.
وقد حكى غير واحد من العلماء اتفاق الفقهاء على منع سفر المرأة بلا محرم، إلا في مسائل مستثناة.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: " قال البغوي: لم يختلفوا في أنه ليس للمرأة السفر في غير الفرض (الحج الواجب) إلا مع زوج أو محرم، إلا كافرة أسلمت في دار الحرب أو أسيرة تخلصت. وزاد غيره: أو امرأة انقطعت من الرفقة فوجدها رجل مأمون فإنه يجوز له أن يصحبها حتى يبلغها الرفقة " انتهى من "فتح الباري" (4/76) .
وسفر المرأة إلى الحج الواجب بلا محرم، اختلف العلماء في جوازه، والصحيح من أقوال العلماء: أنه لا يجوز، وسبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم
هذا هو الأصل في هذا الباب، فليس للمرأة أن تسافر بلا محرم، ويجب أن يصحبها المحرم خلال السفر كله، ولا يكفي أن يوصلها زوجها إلى المطار ويستقبلها والدها في البلد الآخر، لكن حيث وجدت الضرورة فلا حرج؛ لأن الضرورات تبيح المحظورات.
وعليه، فإذا كان حصول زوجة صديقك على الجنسية الفرنسية يرفع عنها ضررا معتبرا، ولم يمكن لمحرمها مرافقتها في السفر، فلا حرج أن تسافر بمفردها على النحو الذي ذكرت، كما لا حرج أن تحصل على هذه الجنسية.
وقد سئل الشيخ ابن جبرين حفظه الله: " ما حكم سفر المرأة وحدها في الطائرة لعذر، بحيث يوصلها المحرم إلى المطار ويستقبلها محرم في المطار الآخر؟
الجواب:
لا بأس بذلك عند المشقة على المحرم، كالزوج أو الأب، إذا اضطرت المرأة إلى السفر، ولم يتيسر للمحرم صحبتها، فلا مانع من ذلك بشرط أن يوصلها المحرم الأول إلى المطار، فلا يفارقها حتى تركب الطائرة، ويتصل بالبلاد التي توجهت إليها، ويتأكد من محارمها هناك أنهم سوف يستقبلونها في المطار، ويخبرهم بالوقت الذي تَقْدُمُ فيه ورقم الرحلة.. لأن الضرورات لها أحكامها، والله أعلم وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم "
انتهى
والله أعلم.
- التصنيف:
- المصدر: