هل يعتبر المال من الأصدقاء دين؟
رد المال إلى أصحابه واجب مشروط بالقدرة عليه، والتمكن من العمل به، فإذا تعذر رده على صاحبه فإن يصرف في مصالح المسلمين التي يحبها الله ورسوله.
كنت اتساهل في التعامل مع الفتيان في المدرسة، فكنا نتكلم او نضحك مثل الاصدقاء العاديين، صراحة انا خجلانة من سؤالي و هو انه يكون احيانا بين الاصدقاء مجاملات من هدايا او طعام و ما الي ذلك، لكني لا اتذكر اذا ما استلفت من ولد مالا، ففد كنت لا انتبه لموضوع الدين او ذلك، و اعتبرها مثل الهبة التي لا ينتظر صاحبها استرجاعها، خصوصا اني كنت فقط اسأل اذا ما حمل الشخص مالا، فيعطيني لكن لا يحدث اتفاق معين في اغلب الاوقات اني سأرجعه له، مبلغ ضئيل لكني اخشي ان يدخل تحت بند اخذ الاموال بغير طيب نفس ان كان يفعلها حياءا، ايضا كنت علي علاقة بشاب و حدث نفس الموقف و نسيت ان ارد له بعض الجنيهات، و ان كان حينها اظهر انه ليس بشئ و ليس بمبلغ، انا الآن اخشي التواصل معهم مجددا لأجل ذكر هذا الموضوع او ارجاع اي شئ لهم، و قد تبت الحمد لله من اي صداقات مع الشبان و اي تعامل دون ضوابط، و اخشي ان اشعر بالإحراج كما انه يتعسر علينا اللقاء عموما او توصيل المال، فهل هذه الاموال دين ؟؟هل مادام الشخص لم يذكر انها هبة او هدية فهي دين ؟و لا ادري ماذا افعل الآن .. و هل يجب ان اسأل الولد الذي لا ادري هل استلفت منه شيئا ام لا اذا ما كان له عندي من شئ؟ انا يغلب علي ظني انه حتي عند ذكري لهم الموضوع سوف يسقطون حقهم لاننا كنا "اصدقاء" و لأنه ليس بمبلغ..
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:
فهنيئًا لك التوبة، وأسأل الله أن يثبتنا وإياك على صراطه المستقيم حتى نلقاه،،
فالتوبة من أجل وأحب الطاعات إلى الله تعالى، وهي واجبة في كل وقت، والله سبحانه يفرح بتوبة عبده أعظم من فرح هذا الواجد لراحلته في الأرض المهلكة، بعد اليأس منها، كما في صحيح مسلم عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " والله، لله أفرح بتوبة عبده من أحدكم يجد ضالته بالفلاة"؛ وفي الصحيحين عن الحارث بن سويد، حدثنا عبد الله بن مسعود: "لله أفرح بتوبة عبده من رجل نزل منزلًا وبه مهلكة، ومعه راحلته، عليها طعامه وشرابه، فوضع رأسه فنام نومة، فاستيقظ وقد ذهبت راحلته، حتى إذا اشتد عليه الحر والعطش أو ما شاء الله، قال: أرجع إلى مكاني، فرجع فنام نومة، ثم رفع رأسه، فإذا راحلته عنده" وهذه فرحة إحسان وبر ولطف، كما قال الإمام ابن القيم، وقال أيضًا:
وإنما هو محض كرم وبر فهو سبحانه أجود الأجودين، وأكرم الأكرمين، وأرحم الراحمين، وأنه سبقت رحمته غضبه، وحلمه عقوبته، وعفوه مؤاخذته، وأنه قد أفاض على خلقه النعمة، كتب على نفسه الرحمة، وأنه يحب الإحسان والجود والعطاء والبر، والفضل كله بيده، والخير كله منه، والجود كله له، وأحب ما إليه أن يجود على عباده ويوسعهم فضلًا، ويغمرهم إحسانًا وجودًا، ويتم عليهم نعمته، ويضاعف لديهم منته، ويتعرف إليهم بأوصافه وأسمائه، ويتحبب إليهم بنعمه وآلائه.
والعفو والمغفرة والرحمة أحب إليه من الانتقام والعقوبة والغضب، والفضل أحب إليه من العدل، والعطاء أحب إليه من المنع" . اهـ.. من "شفاء العليل" (ص: 223).
ولتحذري من التواصل مع هؤلاء الشباب من أجل رد ما تظنينه حقوقًا لهم، فهذا أمر غير مأمون العواقب.
فإن الله سبحانه لم يُكلِّفنا إلا وسعنا؛ قال تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16]، فأنت في حكم من لا يستطيع الوصول إلى من له الحق، فلتتصدَّقي بقدر من المال يغلب على ظنك أنه يساوي ما أخذته منهم، فالمجهول في الشريعة كالمعدوم والمعجوز عنه؛ والله سبحانه وتعالى قال: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: 286].
وفي الصحيحين عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم".
ورد المال إلى أصحابه واجب مشروط بالقدرة عليه، والتمكن من العمل به، فإذا تعذر رده على صاحبه فإن يصرف في مصالح المسلمين التي يحبها الله ورسوله.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (29/ 263):
"الذي لا نعرف مالكه يسقط عنا وجوب رده إليه، فيصرف في مصالح المسلمين والصدقة من أعظم مصالح المسلمين؛ وهذا أصل عام في كل مال جهل مالكه بحيث يتعذر رده إليه، كالمغصوب والعواري والودائع، تصرف في مصالح المسلمين على مذهب مالك وأحمد وأبي حنيفة وغيرهم".
هذا؛ والله أعلم.
- التصنيف:
- المصدر: