معاملة الكافر
ما هي حدود مخالطة الكافر؟ -هل يجوز مجالسته والحديث في امور ضرورية؟ وهل يجوز الضحك معه او التبسم له؟ -هل يجوز الشراء من الكفار وان كانوا في حالة حرب ضد المسلمين نظرًا لان أسعادهم أقل ثمنًا بكثير أم يعدّ ذلك من انواع الموالاة لهم؟
الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ عَلَى رسولِ اللهِ، وعَلَى آلِهِ وصحبِهِ وَمَن والاهُ، أمَّا بعدُ:
فإن الولاء والبراء من لوازم لا إله إلا الله، والولاء في الله هو: محبة الله ونصرة دينه، ومحبة أوليائه ونصرتهم، والبراء هو: بغض أعداء الله ومجاهدتهم، فالشريعة الإسلامية قطعت الموالاة بين المسلم والكافر حتى مع الأقارب إذا كانوا محادين لله ورسوله وأدلة ذلك كثيرة من الكتاب والسنة، منها قوله تعالى:{لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ { [سورة آل عمران: 28]، وقوله تعالى: { وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ} [الأنفال: 73]، وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءكُم مِّنَ الْحَقِّ} [سورة الممتحنة: 1]، قال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ} [آل عمران:118]، وقال سبحانه: {وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ} [هود:113]، فقطع سبحانه الموالاة بين المؤمنين والكافرين.
والموالاة المحرمة شرعًا لها صور منها:
الرضى بكفر الكافرين وعدم تكفيرهم أو الشك في كفرهم أو تصحيح أي مذهب من مذاهبهم الكافرة.
ومنها: التولي العام واتخاذهم أعواناً وأنصاراً وأولياء أو الدخول في دينهم.
ومنها: الإيمان ببعض ما هم عليه من الكفر، أو التحاكم إليهم.
ومنها: مودتهم ومحبتهم؛ كما قال تعالى: قوله تعالى: {لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [المجادلة/22]،
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (7/ 17-18) شارحًا لآية سورة الممتحنة: "فأخبر أنك لا تجد مؤمنًا يواد المحادين لله ورسوله؛ فإن نفس الإيمان ينافي موادته كما ينفي أحد الضدين الآخر، فإذا وجد الإيمان انتفى ضده وهو موالاة أعداء الله، فإذا كان الرجل يوالي أعداء الله بقلبه؛ كان ذلك دليلاً على أن قلبه ليس فيه الإيمان الواجب، ومثله قوله تعالى في الآية الأخرى {تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ* وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} [المائدة: 80، 81]، فذكر "جملة شرطية" تقتضي أنه إذا وجد الشرط وجد المشروط بحرف "لو" التي تقتضي مع الشرط انتفاء المشروط؛ فقال: {وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ}، فدل على أن الإيمان المذكور ينفي اتخاذهم أولياء ويضاده، ولا يجتمع الإيمان واتخاذهم أولياء في القلب، ودل ذلك على أن من اتخذهم أولياء ما فعل الإيمان الواجب من الإيمان بالله والنبي وما أنزل إليه؛ ومثله قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [المائدة: 51]، فإنه أخبر في تلك الآيات أن متوليهم لا يكون مؤمنًا. وأخبر هنا أن متوليهم هو منهم؛ فالقرآن يصدق بعضه بعضًا" اهـ.
إذا تقرر هذا؛ فالموالاة المحرمة بين المسلم والكافر فهي المحبة والنصرة والرضى بما هو عليه من الكفر، أو الركون إليهم واتخاذِهم أصدقاءَ وخلان؛ لما قد يترتب على ذلك من مَيلِ القلب إليه، بخلاف حسن القول والإحسان وبذلُ المعروفِ، والعدل فكل هذا جائز في التعامل معهم، ولكِنْ مَعَ الحَذَرِ مِنِ اتِّخاذِهِ صديقًا وخلًّا، أو محبَّتِهِ، أو تقديمِهِ على المؤمنين، فمحبةُ الكافر أمرُها خطيرٌ جدًّا؛ لأنها تُنَاقِضُ بابًا عظيمًا من أبواب التوحيد كما سبق بيانه، حتى قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أَوْثَقُ عُرَى الْإِيمَانِ: الموالاةُ في اللهِ، والمعَادَاةُ في اللهِ، والْحَبُّ فِي اللهِ وَالْبُغْضُ فِي اللهِ".
وكذلك البيع والشراء مع الكفار جائز، ولا تقاطع بضائعهم إلا إذا وجد البديل المناسب، وإلا صارت المقاطعة مضرة بالمسلم وليس بالكافر،، والله أعلم
- المصدر: