أحاف من الوقوع في الشرك

منذ 2019-10-21
السؤال:

ما هو حكم قول "أعوذ بالله من أن اشك في كفري" علما بانني أعاني من خوف من قول او عمل او إعتقاد كفري فلجأت لقول هذا لأدفع الوسواس لكنني قلتها بطريقة خاطئة لم أقصدها...

الإجابة:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

فإن الخوف من الوقوع في الشرك هو حال سادات الأولياء من السلف الصالح، حتى الأنبياء فهذا نبي الله وخليله إبراهيم صلى الله عليه وآله وسلم فقد قال الله عنه أنه دعا ربه بقوله: {وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ} [إبراهيم: 35]، وقال نبي الله وخليله محمد صلى الله عليه وآله وسلم كما في الأدب المفرد للبخاري: عن معقل بن يسار قال: انطلقت مع أبي بكر الصديق رضي الله عنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: "يا أبا بكر، للشرك فيكم أخفى من دبيب النمل"، فقال أبو بكر: وهل الشرك إلا من جعل مع الله إلها آخر؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده، للشرك أخفى من دبيب النمل، ألا أدلك على شيء إذا قلته ذهب عنك قليله وكثيره؟" قال: قل: "اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم، وأستغفرك لما لا أعلم"، وصححه الألباني.

ومن أيقن هذا ازاد خوفه من طرائق الشياطين في صد الناس عن سبيل الله، فسعى في نجاة نفسه، وأصدق اللجوء إلى الله عزّ وجلّ بالدعاء بالعافية من الشرك، وأقبل على الله بالعبادة والطاعة، وتوكلت عليه، وقد قال سبحانه: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق: 3] أي: كافيه، وحافظ على هذا الدعاء تحرزًا عن الشرك، ويحقق الإخلاص لله تعالى؛ كما قال تعالى: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا} [الإسراء:57]، وكان من دعاء الفاروق عمر بن الخطاب: "اللهم اجعل عملي كله صالحاً، واجعله لوجهك خالصاً، ولا تجعل لأحد فيه شيئاً".

وعلى قدر إخلاص العبد يجتبيه ربه، ويحي قلبه ويجتذبه إليه، وينصرف عنه الشرك والسوء والفحشاء،

وقد بين شيخ الإسلام سبل النجاة في رسالة "العبودية" فننصح بقراءتها.

وقال (ص: 121-124): "وكثيراً ما يخالط النفوس الجاهلة من الشهوات الخفية ما يفسد عليها تحقيق محبتها لله، وعبوديتها له، وإخلاص دينها له، كما قال شداد بن أوس: "يا بقايا العرب! إن أخوف ما أخاف عليكم الرياء، والشهوة الخفية".

وقيل لـ أبي داود السجستاني: وما الشهوة الخفية؟ قال: حب الرئاسة.

وعن كعب بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ما ذئبان جائعان أرسلا في غنم بأفسد لها من حرص المرء على المال والشرف لدينه"؛ قال الترمذي: حديث حسن صحيح.

فبين صلى الله عليه وسلم أن الحرص على المال والشرف في إفساد الدين لا ينقص عن إفساد الذئبين الجائعين لزريبة الغنم، فإن الدين السليم لا يكون فيه هذا الحرص، وذلك أن القلب إذا ذاق حلاوة عبودية الله ومحبته له لم يكن شيء أحب إليه من ذلك حتى يقدم عليه، وبذلك يُصرف عن أهل الإخلاص لله السوءُ والفحشاءُ، كما قال تعالى: {كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ} [يوسف:24].

فإن المخلص لله ذاق من حلاوة عبوديته لله ما يمنعه عن عبوديته لغيره، ومن حلاوة محبته لله ما يمنعه عن محبة غيره، إذ ليس عند القلب السليم أحلى ولا ألذ ولا أطيب ولا ألين ولا أنعم من حلاوة الإيمان المتضمن عبوديته لله، ومحبته له، وإخلاص الدين له، وذلك يقتضي انجذاب القلب إلى الله، فيصير القلب مُنيباً إلى الله، خائفاً منه، راغباً راهباً كما قال تعالى: {مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ} [ق: 33]، إذ المحب يخاف من زوال مطلوبه، أو حصول مرهوبه، فلا يكون عبدُ الله ومحبُه إلا بين خوف ورجاء؛ قال تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا} [الإسراء: 57].

 وإذا كان العبد مخلصًا له اجتباه ربه فيحيي قلبه، واجتذبه إليه فينصرف عنه ما يضاد ذلك من السوء والفحشاء، ويخاف من حصول ضد ذلك؛ بخلاف القلب الذي لم يخلص لله، فإنه في طلب وإرادة وحب مطلق، فيهوى ما يسنح له ويتشبث بما يهواه، كالغصن أي نَسِيم مرَّ بعطفه أمالَه فتارة تجتذبه الصور المحرمة وغير المحرمة؛ فيبقى أسيرًا عبدًا لمن لو اتخذه هو عبدًا له لكان ذلك عيبًا ونقصًا وذمًا.

وتارة يجتذبه الشرف والرئاسة، فترضيه الكلمة وتغضبه الكلمة ويستعبده من يثني عليه ولو بالباطل، ويعادي من يذمه ولو بالحق.

وتارة يستعبدهم الدرهم والدينار، وأمثال ذلك من الأمور التي تستعبد القلوب، والقلوب تهواها فيتخذ إلهه هواه، ويتبع هواه بغير هدى من الله.

ومن لم يكن خالصًا لله عبدًا له قد صار قلبه معبدًا لربه وحده لا شريك له، بحيث يكون الله أحب إليه من كل ما سواه، ويكون ذليلاً له خاضعًا= وإلا استعبدته الكائنات، واستولت على قلبه الشياطين، وكان من الغاوين إخوان الشياطين، وصار فيه من السوء والفحشاء ما لا يعلمه إلا الله، وهذا أمر ضروري لا حيلة فيه؛ فالقلب إن لم يكن حنيفًا مقبلاً على الله معرضًا عما سواه وإلا كان مشركًا؛ قال تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ* مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ* مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} [الروم: 30 - 32]". اهـ.

إذا تقرر هذا؛ فالدعاء الذي ذكرته غير مشروع وإنما العلاج بتحقيق الإخلاص لله تعالى، والإكثار من الدعاء بما ورد،، والله أعلم.

خالد عبد المنعم الرفاعي

يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام

  • 3
  • 0
  • 2,119

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً