حكم الرجوع عن طلب العلم لضيق الوقت
خالد عبد المنعم الرفاعي
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. كنت من فتره قريبه عزمت علي طلب العلم وكنت أظن أني سأحقق هذا الحلم وأصبح حتي علي الأقل طويلب علم كما يقولون... لكني الآن متزوج وعندي طفلين وأعمل فترتين في اليوم صباحا ومساءا لأسد حاجة البيت ولأني ملتزم بدين أريد قضاءه... ولا أجد وقتا لطلب العلم.. لذلك رأيت أن أكتفي بمعرفة مالا يسع المسلم جهله من أحكام العبادات وأقتصر علي هذا.. طبعا الي جانب الحرص علي تزكية النفس والالتزام بالهدي الظاهر وذكر الله وقراءة قدر يومي من القرآن... فما نظرتكم لهذا القرار.. وهل أنا مخطئ في ذلك وجزاكم الله خيرا
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبه ومن والاه، أما بعدُ:
فقد اختلف أهل العلم في جواز الرجوع عن طلب العلم؛ لاختلافهم في وجوب إتمام فرض الكفاية بالشروع فيه، فقيل: لا يجب إتمامه؛ لأن القصد من فرض الكفاية حصوله في الجملة، فلا يتعين حصوله ممن شرع فيه، وقيل: يتعين فرض الكفاية بالشروع في الجهاد وصلاة الجنازة دون غيرهما وهو قول عند الشافعية، قال زكريا الأنصاري وهو شافعي في كتابه "غاية الوصول في شرح لب الأصول" (ص: 29): "(و) الأصح (أنه) أي فرض الكفاية (لا يتعين بالشروع) فيه؛ لأن القصد به حصوله في الجملة فلا يتعين حصوله ممن شرع فيه، (إلا جهادًا وصلاة جنازة وحجًا وعمرة) فتتعين بالشروع فيها لشدة شبهها بالعيني، ولما في عدم التعيين في الأول من كسر قلوب الجند، وفي الثاني من هتك حرمة الميت، وهذا تبعت فيه الغزالي وغيره، وقيل يتعين فرض الكفاية بالشروع فيه، أي يصير به كفرض العين في وجوب إتمامه بجامع الفرضية، وهذا ما صححه الأصل تبعا لابن الرفعة وهو بعيد، إذ أكثر فروض الكفايات لا تتعين بالشروع فيها كالحرف والصنائع وصلاة الجماعة". اهـ.
ورجح شارح مراق السعود وهو مالكي عدم التعين فقال في "نشر البنود على مراقي السعود" (1/ 196) شارحًا لقول الماتن:
وهل يعتبر شروع الفاعل....في ذي الكفاية خلاف ينجلي
فالخلف في الأجرة للتحمل....فرع على ذاك الخلاف قد بُلي
"والأقرب عندي أنه لا يتعين بالشروع أن كان هناك من يقوم به؛ لأن المقصود حصول الفعل من غير نظر بالذات إلى فاعله، إلا فيما قام الدليل على وجوب اتهامه بالشروع كصلاة الجنازة، بخلاف تكفين الميت ودفنه، ويتعين عندنا بعض فروض الكفاية بتعيين الإمام كتعيينه طائفة للجهاد، قال ابن عبد السلام: ولا يتعين عليه القضاء بتعيين الإمام، وله الفرار منه لعظم خطره، وقال المحلى أن الاستمرار في صف الجهاد يجب اتفاقا لما في الانصراف من كسر قلوب الجند".
وذهب الحنابلة وهو قول للشافعية بأن يصير فرض الكفاية كفرض العين في وجوب الإتمام على الأصح بجامع الفرضية قال بابن النجار الحنبلي في "مختصر التحرير شرح الكوكب المنير" (1/ 378)
"(ويلزمان) أي فرض العين وفرض الكفاية، (بشروع مطلقا)، أي سواء كان فرض الكفاية جهادًا، أو صلاة على جنازة، أو غيرهما، قال في "شرح التحري": في الأظهر.
ويؤخذ لزومه بالشروع من مسألة حفظ القرآن. فإنه فرض كفاية إجماعًا، فإذا حفظه إنسان وأخر تلاوته من غير عذر حتى نسيه، فإنه يحرم على الصحيح من المذهب.
قال الإمام أحمد رضي الله تعالى عنه: ما أشد ما جاء فيمن حفظه ثم نسيه وفيه وجه يكره". اهـ.
والذي يظهر أن طلب العلم كغيره من فروض الكفايات إنما يجب عند الاستطاعة، فإن كان الطالب غير مستطيع لتعين سداد الدين عليه، وللسعي على ما يجب عليه نفقته ولا يجد من الوقت ما يمكنه من التعلم، فهذا بلا شك يجوز له الرجوع طلب العلم، لا سيما إن غلب على الظن أن غيره يقوم مقامه،، والله أعلم.