بعض النساء يرفضن التعدد، فكيف نرد عليهن؟

منذ 2019-12-23

فلا يكاد يخفى على كل من تأمل الشَّريعة الإسلامية أنها شريعة واقعية أنزلها الله بعلمه، لتواجه المشكلات الحياتية، وتزيل عوائقها وأزماتها المختلفة، وأنها تعمل في واقع الناس بعيدًا عن المثاليات الخيالية أو المفترضة.

السؤال:

بعض النساء يرفضن التعدد فكيف نرد عليهن

الإجابة:

الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:

فلا يكاد يخفى على كل من تأمل الشَّريعة الإسلامية أنها شريعة واقعية أنزلها الله بعلمه، لتواجه المشكلات الحياتية، وتزيل عوائقها وأزماتها المختلفة، وأنها تعمل في واقع الناس بعيدًا عن المثاليات الخيالية أو المفترضة، فلا توغل في الأمنيات الحالمة التي تهمل الفطرة وتغفل عن الواقع البشري، وإنما تطرح حلولاً عملية عادلة قابلة للتطبيق وفق ضوابط صارمة، وتنسجم مع الظروف الحياتية في شتى البقاع والأزمان والأحوال؛ وصدق الله العظيم إذ يقول: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} [الإسراء: 9]، فالتمسك بشرع الله يهدي لأقوم الطرق وأوضح السبل.

ومن هذه التشريعات الإسلامية أن الله تعالى قد أحلَّ للرجل أن يتزوَّج بأكثرَ من امرأة، إذا علِم من نفسِه قدرةً على واجبات التعدُّد، وآنس من نفسه العدْل بين الزَّوجات، والله يحكم لا معقِّب لحكمه، ولا يسأل عما يفعل لكمال حكمته، وإحاطة علمه؛ قال تعالى: {أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الخَبِيرُ} [الملك: 14].

ومن أنصف من نفسه وصفت فطرته، وتجرد من هوى نفسه، أدرك بعض تلك الحكم، ولكن القلوب علاها الران وسيطر عليها الهوى حتى مالت عن الحق الظاهر؛ وصدق الله العظيم: {وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ} [المؤمنون: 71]، فمنهج الله مهيمن على الوجود كله، وجاء من عند الله ليكون منهج حياة، ولا يخضع للأهواء فيفسد ويختل، إنما يخضع للحق الكلي، ولتدبير الملك الحق المبين، صاحب التدبير.

هذا؛ وقد بيّن علماء الإسلام ما في رخصة التعدد من حكمة علوية، ومن هؤلاء حكيم الإسلام الأستاذ سيد قطب فقال في الظلال قوله تعالى (1/587-582): {فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 3]:

"وهذه الرخصة في التعدد، مع هذا التحفظ عند خوف العجز عن العدل، والاكتفاء بواحدة في هذه الحالة، أو بما ملكت اليمين. هذه الرخصة- مع هذا التحفظ - يحسن بيان الحكمة والصلاح فيها، في زمان جعل الناس يتعالمون فيه على ربهم الذي خلقهم، ويدعون لأنفسهم بصراً بحياة الإنسان وفطرته ومصلحته فوق بصر خالقهم سبحانه! ويقولون في هذا الأمر وذاك بالهوى والشهوة، وبالجهالة والعمى، كأن ملابسات وضرورات جدّت اليوم، يدركونها هم ويقدرونها ولم تكن في حساب الله - سبحانه- ولا في تقديره، يوم شرّع للناس هذه الشرائع!!!

وهي دعوى فيها من الجهالة والعمى، بقدر ما فيها من التبجح وسوء الأدب، بقدر ما فيها من الكفر والضلالة! ولكنها تقال، ولا تجد من يرد الجهال العُمي المتبجحين المتوقحين الكفار الضلال عنها! وهم يتبجحون على الله وشريعته، ويتطاولون على الله وجلاله، ويتوقحون على الله ومنهجه، آمنين سالمين غانمين، مأجورين من الجهات التي يهمها أن تكيد لهذا الدين! وهذه المسألة- مسألة إباحة تعدد الزوجات بذلك التحفظ الذي قرره الإسلام- يحسن أن تؤخذ بيسر ووضوح وحسم وأن تعرف الملابسات الحقيقية والواقعية التي تحيط بها.

روى البخاري أن غيلان بن سلمة الثقفي أسلم - وتحته عشر نسوة - فقال له النبي- صلى الله عليه وسلم-: "اختر منهن أربعًا".

 فقد جاء الإسلام إذن، وتحت الرجال عشر نسوة أو أكثر أو أقل -بدون حد ولا قيد- فجاء ليقول للرجال: إن هناك حداً لا يتجاوزه المسلم- هو أربع - وإن هناك قيداً - هو إمكان العدل - وإلا فواحدة، أو ما ملكت أيمانكم.

جاء الإسلام لا ليطلق، ولكن ليحدد، ولا ليترك الأمر لهوى الرجل، ولكن ليقيد التعدد بالعدل، وإلا امتنعت الرخصة المعطاة!

ولكن لماذا أباح هذه الرخصة؟ إن الإسلام نظام للإنسان، نظام واقعي إيجابي، يتوافق مع فطرة الإنسان وتكوينه، ويتوافق مع واقعه وضروراته، ويتوافق مع ملابسات حياته المتغيرة في شتى البقاع وشتى الأزمان، وشتى الأحوال.

إنه نظام واقعي إيجابي، يلتقط الإنسان من واقعه الذي هو فيه، ومن موقفه الذي هو عليه، ليرتفع به في المرتقى الصاعد، إلى القمة السامقة، في غير إنكار لفطرته أو تنكر، وفي غير إغفال لواقعه أو إهمال، وفي غير عنف في دفعه أو اعتساف! إنه نظام لا يقوم على الحذلقة الجوفاء ولا على التظرف المائع ولا على المثالية الفارغة.

إذا استصحبنا معنا هذه الخصائص الأساسية في النظام الإسلامي، ونحن ننظر إلى مسألة تعدد الزوجات فماذا نرى؟

نرى أولاً أن هناك حالات واقعية في مجتمعات كثيرة - تاريخية وحاضرة - تبدو فيها زيادة عدد النساء الصالحات للزواج، على عدد الرجال الصالحين للزواج، والحد الأعلى لهذا الاختلال الذي يعتري بعض المجتمعات لم يُعرف تاريخياً أنه تجاوز نسبة أربع إلى واحد، وهو يدور دائماً في حدودها!

فكيف نعالج هذا الواقع، الذي يقع ويتكرر وقوعه، بنسب مختلفة، هذا الواقع الذي لا يجدي فيه الإنكار؟ نعالجه بهز الكتفين؟ أو نتركه يعالج نفسه بنفسه؟ حسب الظروف والمصادفات؟! إن هز الكتفين لا يحل مشكلة!

إلى أن قال: "ومن الحالات الواقعية - المرتبطة بالحقيقة السالفة - وهي: أن فترة الإخصاب في الرجل تمتد إلى سن السبعين أو ما فوقها، بينما هي تقف في المرأة عند سن الخمسين أو حواليها - ما نراه من رغبة الزوج في أداء الوظيفة الفطرية مع رغبة الزوجة عنها؛ لعائق من السن أو من المرض، مع رغبة الزوجين كليهما في استدامة العشرة الزوجية، وكراهية الانفصال، فكيف نواجه مثل هذه الحالات؟!

نواجهها بهز الكتفين، وترك كلٍّ من الزوجين يخبط رأسه في الجدار؟! أو نواجهها بالحذلقة الفارغة والتظرف السخيف؟!

إن هز الكتفين - كما قلنا - لا يحل مشكلة، والحذلقة والتظرف لا يتفقان مع جدية الحياة الإنسانية ومشكلاتها الحقيقية، وعندئذ نجد أنفسنا - مرة أخرى - أمام احتمال من ثلاثة احتمالات:

1- أن نكبت الرجل ونصده عن مزاولة نشاطه الفطري بقوة التشريع وقوة السلطان! ونقول له: عيب يا رجل! إن هذا لا يليق، ولا يتفق مع حق المرأة التي عندك، ولا مع كرامتها!

2- أن نُطلق هذا الرجل يخادن ويسافح من يشاء من النساء!

3- أن نبيح لهذا الرجل التعدد - وفق ضرورات الحال - ونتوقَّى طلاق الزوجة الأولى.

الاحتمال الأول، ضد الفطرة وفوق الطاقة، وضد احتمال الرجلِ العصبيِّ والنفسيِّ، وثمرته القريبة - إذا نحن أكرهناه بحكم التشريع وقوة السلطان - هي كراهية الحياة الزوجية التي تكلفه هذا العنت، ومعاناة جحيم هذه الحياة، وهذا ما يكرهه الإسلام الذي يجعل من البيت سكنًا، ومن الزوجة أنسًا ولباسًا.

والاحتمال الثاني، ضد اتجاه الإسلام الخُلُقيِّ، وضد منهجه في ترقية الحياة البشرية، ورفعها وتطهيرها وتزكيتها؛ كي تصبح لائقةً بالإنسان الذي كرمه الله على الحيوان.

والاحتمال الثالث، هو وحده الذي يلبي ضرورات الفطرة الواقعية، ويلبي منهج الإسلام الخُلُقي، ويحتفظ للزوجة الأولى برعاية الزوجية، ويحقق رغبة الزوجين في الإبقاء على عشرتهما، وعلى ذكرياتهما، وييسر على الإنسان الخطوَ الصاعدَ، في رفقٍ ويسرٍ وواقعيةٍ". اهـ. مختصرًا، وننصح بقراءته كاملاً.

وقد سبق بيان ذلك في فتاوى كثيرة منها: "المصالح العظيمة في تعدّد الزواجات لكل من المرأة والرجل"أسباب الزواج بأخرى"، "تأليف كتاب عن ظلم الزوجة الثانية وأثره على المجتمع".

هذا؛ والله أعلم.

خالد عبد المنعم الرفاعي

يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام

  • 3
  • 5
  • 6,090

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً