معنى سجود الشمس وتسبيح الجمادات
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته رأيت فتوى في موقع اسلام ويب تقول ان العلماء اختلفوا هل للجمادات احساس حقيقي ام مجازي ف أتاني وسواس اخاف ان يتحول إلى مرض تجعلني اقول هل أن رميت كرسي هل يشعر بألم اشعرت أشعر بالشفقة
الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ عَلَى رسولِ اللهِ، وعَلَى آلِهِ وصحبِهِ وَمَن والاهُ، أمَّا بعدُ:
فمذهب أهل السنة أن لله علمًا في الجمادات وسائر الحيوانات سوى العقلاء، ولا يقف على المعنى الصحيح لصلاتها وتسبيحها وخشيها من الله غيره سبحانه، فيجب على المسلم الإيمان به ويكل علمه إلى الله تعالى؛ كما قال عز وجل {تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا} [الإسراء: 44]، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إني لأعرف حجرًا بمكة كان يسلم علي قبل أن أبعث، وإني لأعرفه الآن، وحديث حنين الجذع، وسجود الشمس إذا غربت واستئذانها.
وليس معنى هذا أن لها حسٌ وشعور مثل البشر، فإن تسبيح وسجود كل شيء بحسب ما يناسبه؛ كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية.
والحكمة من خلق الجمادات على تلك الكيفية، أنها آيات دالة وشاهدة للخالق سبحانه وتعالى؛ لكونها مفعولة له، وهذا معنى ثابت في المخلوقات، وشواهد ودلائل وآيات بكونها عابدة بتألهها لله بالعبادة، وخاضعة للرب خضوعًا يناسب حالها؛ فحالها أشبه بحال أهل الجنة في الجنة حيث يلهمون التسبيح كما يلهموا النفس في الدنيا، وهم خاضعون للرب مطيعون، وبين شيخ الإسلام ابن تيمية في رسالة "قنوت الأشياء كلها لله تعالى"، في جامع الرسائل، أن سجود أهل الجنة بغير وضع الرأس في الأرض؛ لأن هذا أُمر به في الدنيا لحاجة النفس إليه في خضوعها لله تعالى، فلا تكون خاضعة إلا به، بخلاف حالها في الجنة فإنها قد زكت وصلحت. فتدبر هذا تعرف معنى طاعة الجامدات.
إذا تحرر هذا، فلا إشكال من كون الجمادات تسبح بحمد الله تعالى، سواء يخلق الله فيها شعورًا وإدراكا، أو شيء آخر لا ندركه= فعلى أي قول فليس معناه أن للجمادات إدراك تام كالحيوان، فكل بحسبه كما حرره شيخ الإسلام ابن تيمية في رسالته المشار إليها، وقال الإمام البغوي في "تفسيره" (5/ 96): "واعلم أن لله تعالى علمًا في الجمادات لا يقف عليه غيره، فينبغي أن يوكل علمه إليه".
أما ما يشعر به السائل الكريم فهو من الوهم الذي يعرض للإنسان بسبب المعنى الذهني المشترك، وهو المشكك أو المتواطئ؛ وهو ما يسمى بالصورة الذهنية، ولا تعني أنها موافقة لما في الخارج، يعني ما في الواقع، فتخيلت من تسبيح وسجود الجمادات ما يتخيل من سجود وتسبيح الإنسان؛ ولفهم تلك القواعد تأمل ما أخبرنا به رسول الله أن الشمس تسجد كل ليلة تحت العرش، مع اختلاف حال الشمس بالليل والنهار، وسيرها في فلكها من جنس واحد؛ كما في الصحيحين عن أبي ذر رضي الله عنه، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: لأبي ذر حين غربت الشمس: "أتدري أين تذهب؟"، قلت: الله ورسوله أعلم، قال: "فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش، فتستأذن فيؤذن لها، ويوشك أن تسجد، فلا يقبل منها، وتستأذن فلا يؤذن لها، يقال لها: ارجعي من حيث جئت، فتطلع من مغربها، فذلك قوله تعالى:{وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} [يس: 38]".
قال في "جامع الرسائل"(1/ 37): "فقد أخبر في هذا الحديث الصحيح بسجود الشمس إذا غربت واستئذانها وكذلك قال أبو العالية وغيره قال أبو العالية ما في السماء نجم ولا شمس ولا قمر إلا يقع ساجدا حين يغيب ثم لا ينصرف حتى يؤذن له فيأخذ ذات اليمين حت يرجع إلى مطلعه ومعلوم أن الشمس لا تزال في الفلك كما اخبر الله تعالى بقوله وهو الذي خلق الليل والنهار والشمس والقمر كل في فلك يسبحون [سورة الأنبياء 33] فهي لا تزال تسبح في الفلك وهي تسجد لله وتستأذنه كل ليلة كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم فهي تسجد سجودا يناسبها وتخضع له وتخشع كما يخضع ويخشع كل ساجد من الملائكة والجن والإنس
وكذلك قوله: {فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ}[الدخان: 29]، بكاء كل شيء بحسبه، قد يكون خشية لله، وقد يكون حزنًا على فراق المؤمن". اهـ.
إذا علم هذا؛ فمعرفة ما ذكرناه مما يزيد الإيمان بأن الله تعالى على كل شيء قدير، وليس العكس من تسلط الوسواس، فاقطعي أي خطرة، ولا تسترسلي معها، والله أعلم.
- المصدر: