هل سماع سب لدين مع إنكار القلب فقط كفر
خالد عبد المنعم الرفاعي
السلام عليكم أعاني كثيرا من هذا الباب أصبح في مجتمعنا كثير من الناس يسبون الدين و الرب عياذا بالله و عندي أبي يسب الدين كثيرا عندما يغضب رغم أنه يصلي و حامل لكتاب الله نصحته عدة مرات و يقول لي لا أقصد دين الإسلام وكل الأشاص الذي نصحتهم يقول لك نفس الشيء و لكن مشكلتي هي أنني في بعض المواقف أنكر بقلبي فقط و أستغفر الله فهل سامع الكفر مع الإنكار بالقلب كفر لأنني كلما صدر من شخص سب للدين و لم أنصحه أتهم نفسي بالكفر و الله يعلم ما في قلبي أفيدونا جزاكم الله خير.
الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ ومن والاهُ، أمَّا بعدُ:
فإن سب الدين كفر أكبر بإجماع العلماء، فكل من نطق بكلمة الكفر كفر، سواء استحل أو لم يستحل، اعتقد ذلك أو كان زاهلاً عن معتقده أصلاً، كما قال الإمام إسحاق بن راهويه: "أجمع المسلمون على أن من سب الله، أو سب رسوله صلى الله عليه وسلم، أو دفع شيئًا مما أنزل الله عز وجل، أو قتل نبيا من أنبياء الله عز وجل- أنه كافر بذلك، وان كان مقرًا بكل ما أنزل الله"، كما في كتاب "الصارم المسلول على شاتم الرسول"(ص: 3).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في كناب "الإيمان"(ص: 174-175):
"وإذا تكلم بكلمة الكفر طوعاً، فقد شرح بها صدراً وهي كفر؛ وقد دل على ذلك قوله تعالى: {يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَن تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِم قُلِ اسْتَهْزِؤُواْ إِنَّ اللهَ مُخْرِجٌ مَّا تَحْذَرُونَ وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِن نَّعْفُ عَن طَآئِفَةٍ مِّنكُمْ نُعَذِّبْ طَآئِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ} [التوبة: 64: 66]، فقد أخبر أنهم كفروا بعد إيمانهم، مع قولهم: إنا تكلمنا بالكفر من غير اعتقاد له، بل كنا نخوض ونلعب، وبين أن الاستهزاء بآيات الله كفر، ولا يكون هذا إلا ممن شرح صدره بهذا الكلام، ولو كان الإيمان في قلبه، منعه أن يتكلم بهذا الكلام، والقرآن يبين أن إيمان القلب يستلزم العمل الظاهر بحسبه". اهـ.
وقال أبو محمد ابن حزم في "المحلَّى بالآثار" (12/ 438): "كلُّ مَن سبَّ الله تعالى، أو استهزأ به، أو سبَّ ملكًا مِن الملائكة، أو استهزأ به، أو سبَّ نبيًّا مِن الأنبياء، أو استهزأ به، أو سبَّ آيةً مِن آيات الله تعالى أو استهزأ بها، والشرائع كلها، والقرآن من آيات الله تعالى، فهو بذلك كافرٌ مرتدٌّ، له حكم المرتد"؛ اهـ.
قال العثيمين في فتاوى "نور على الدرب": "من سب دين الإسلام فهو كافر، سواءٌ كان جاداً أو مازحاً، حتى وإن كان يزعم أنه مؤمن فليس بمؤمن، وكيف يكون مؤمناً بالله عز وجل وبكتابه وبدينه وبرسوله وهو يسب الدين؟ كيف يكون مؤمناً وهو يسب ديناً قال الله فيه: {وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة: 3]؟ وقال الله تعالى فيه: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} [آل عمران: 85]؟ وقال الله فيه: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} [آل عمران: 19]؟ كيف يكون مؤمناً من سب هذا الدين ولو كان مازحاً؟ إذا كان قد قصد الكلام، فإن من سب دين الإسلام جاداً أو مازحاً، فإنه كافرٌ كفراً مخرجاً عن الملة، عليه أن يتوب إلى الله عز وجل، وتوبته تكون بإسلامه؛ بأن ينطق الشهادتين". اهـ.
قال في - "زاد المُستَقنِع" (ص: 225) -: "وتوبة المرتدِّ - وكل كافر - إسلامُه؛ بأن يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، ومَن كفر بجحدِ فرضٍ ونحوه، فتوبته مع الشهادتين إقراره بالمجحودِ به، أو قول: أنا بريء من كلِّ دين يخالف دين الإسلام". اهـ.
أما الإنكار على الساب فأقله إنكار القلب، وهو الحد الأخير في الإيمان، وفي بقائه بقاء أصل الإيمان، وهو الإيمان بأن هذا منكر، وكراهة الساب، وإذا فقد القلب معرفة هذا المعروف وإنكار هذا المنكر ارتفع هذا الإيمان من القلب، ففي الصحيح عن أبي سعيد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان"، وفي الصحيح أيضًا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته ويقتدون بأمره، ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف يقولون ما لا يفعلون ويفعلون ما لا يؤمرون، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن ، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل"، وهو طاهر في إنتفاء الإيمان بزوال إيمان القلب، وأن من محاسن الشريعة أن الله تعالى يكلف كل إنسان على قدر طاقته، فمن عجز عن إنكار المنكر باليد أو اللسان انتقل إلى إنكار القلب، فليكره المنكر بقلبه، وإنما الإثم على من رضي بالمنكر ولم يكرهه؛ وقد ورد هذا المعنى أيضًا في حديث أم سلمة، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إنه يستعمل عليكم أمراء، فتعرفون وتنكرون، فمن كره فقد برئ، ومن أنكر فقد سلم، ولكن من رضي وتابع"، وفي رواية: "فمن عرف برئ، ومن أنكر سلم، ولكن من رضي وتابع"؛ رواه مسلم.
قال النووي في شرح مسلم (12/ 243): "فأما رواية من روى فمن كره فقد برئ، فظاهرة ومعناه من كره ذلك المنكر فقد برئ من إثمه وعقوبته، وهذا في حق من لا يستطيع إنكاره بيده ولا لسانه فليكرهه بقلبه وليبرأ، وأما من روى فمن عرف فقد برئ، فمعناه والله أعلم: فمن عرف المنكر ولم يشتبه عليه فقد صارت له طريق إلى البراءة من إثمه وعقوبته، بأن يغيره بيديه أو بلسانه فإن عجز فليكرهه بقلبه وقوله صلى الله عليه وسلم ولكن من رضي وتابع معناه ولكن الإثم والعقوبة على من رضي وتابع، وفيه دليل على أن من عجز عن إزالة المنكر لا يأثم بمجرد السكوت، بل إنما يأثم بالرضى به، أو بأن لا يكرهه بقلبه أو بالمتابعة عليه". اهـ.
هذا؛ والله أعلم.