هل الكحل حرام ام حلال
خالد عبد المنعم الرفاعي
هل يجوز للمرئه ان تخرج بالكحل في عينها
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:
فإنَّ الاكتِحال مشروع في حقّ الرّجال والنّساء على السَّواء، ولكنِ اختلف أهْلُ العِلم فيما إذا كان ذلك من الزّينة الظَّاهرة التي يَجوز كشفُها بالنّسبة للمَرأة أم من الزّينة الباطنة التي لا يَجوز كشْفُها؛ فذهب بعضُهم إلى أنَّ الكُحل من الزّينة الظَّاهرة التي يَجوزُ للمرأة أن تُبْديها للنَّاس، لِما رواه الطبرانيُّ عنِ ابْنِ عبَّاس في قوله تعالى: {وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا} قال: "هي الكحل والخاتم".
ورواه الطبري في تفسيره عن عن الحسن، عند قوله تعالى: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور: 31]، قال: الوجه والثياب، وروى بإسناده عن مجاهد، وسعيد بن جُبير والضحاك: الوجه والكفّ، وروى عن ابن جُرَيج، ومجاهد: الكحل والخضاب والخاتم.
قال ابن زيد، من الزينة: الكحل، والخضاب، والخاتم، هكذا كانوا يقولون وهذا يراه الناس.
وسئل الأوزاعي عن {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا}، قال: الكفين والوجه.
ثم قال "تفسير الطبري"(19/ 158): "وأولى الأقوال في ذلك بالصواب: قول من قال: عنى بذلك: الوجه والكفان، يدخل في ذلك إذا كان كذلك: الكحل، والخاتم، والسوار، والخضاب؛ وإنما قلنا ذلك أولى الأقوال في ذلك بالتأويل؛ لإجماع الجميع على أن على كلّ مصل أن يستر عورته في صلاته، وأن للمرأة أن تكشف وجهها وكفيها في صلاتها، وأن عليها أن تستر ما عدا ذلك من بدنها". اهـ.
وذَهَبَ آخَرون إلى أنَّ الكحل من الزّينة التي يَجب ستْرُها، لأنَّه مما تُجَمّل به المرأة وجْهَها، وهذا هو الصَّواب، ولذلك قال ابن عطيَّة: "ويظهر لي بِحُكم ألفاظِ الآية أنَّ المرأة مأمورةٌ بألاَّ تُبْدِي، وأن تَجتهد في الإخْفَاء لكل ما هو زينة، ووقع الاستِثْناء فيما يظهر بِحُكم ضرورةِ حركةٍ فيما لا بدَّ منه أو إصلاحِ شأنٍ ونحو ذلك، فما ظهر على هذا الوَجْهِ مِمَّا تؤدّي إليه الضرورةُ في النّساء فهو المعفوّ عنه".
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (22/ 109-112): "والسلف قد تنازعوا في الزينة الظاهرة على قولين، فقال: ابن مسعود ومن وافقه: هي الثياب، وقال ابن عباس ومن وافقه: هي في الوجه واليدين، مثل الكحل والخاتم.
وعلى هذين القولين تنازع الفقهاء في النظر إلى المرأة الأجنبية، فقيل: يجوز النظر لغير شهوة إلى وجهها ويديها وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي وقول في مذهب أحمد.
وقيل: لا يجوز وهو ظاهر مذهب أحمد؛ فإن كل شيء منها عورة حتى ظفرها، وهو قول مالك. وحقيقة الأمر: أن الله جعل الزينة زينتين: زينة ظاهرة وزينة غير ظاهرة، وجوّز لها إبداء زينتها الظاهرة لغير الزوج وذوي المحارم، وكانوا قبل أن تنزل آية الحجاب كان النساء يخرجن بلا جلباب، يرى الرجل وجهها ويديها، وكان إذ ذاك يجوز لها أن تظهر الوجه والكفين، وكان حينئذ يجوز النظر إليها؛ لأنه يجوز لها إظهاره، ثم لما أنزل الله عز وجل آية الحجاب بقوله: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ} [الأحزاب: 59]، حجب النساء عن الرجال، وكان ذلك لما تزوج زينب بنت جحش فأرخى الستر ومنع النساء أن ينظرن، ولما اصطفى صفية بنت حيي بعد ذلك عام خيبر قالوا: إن حجبها فهي من أمهات المؤمنين، وإلا فهي مما ملكت يمينه فحجبها، فلما أمر الله أن لا يسألن إلا من وراء حجاب، وأمر أزواجه وبناته ونساء المؤمنين أن يدنين عليهن من جلابيبهن ، والجلباب: هو الملاءة وهو الذي يسميه ابن مسعود وغيره الرداء، وتسميه العامة الإزار، وهو الإزار الكبير الذي يغطي رأسها وسائر بدنها، وقد حكى أبو عبيد وغيره: أنها تدنيه من فوق رأسها فلا تظهر إلا عينها ومن جنسه النقاب: فكن النساء ينتقبن، وفي الصحيح أن المحرمة لا تنتقب ولا تلبس القفازين، فإذا كن مأمورات بالجلباب لئلا يعرفن وهو ستر الوجه أو ستر الوجه بالنقاب:- كان الوجه واليدان من الزينة التي أمرت ألا تظهرها للأجانب، فما بقي يحل للأجانب النظر إلا إلى الثياب الظاهرة، فابن مسعود ذكر آخر الأمرين وابن عباس ذكر أول الأمرين". اهـ.
والذي يظهر أنَّ وضع الكحل في العينَيْنِ والخروج به ليس مِمَّا تضطرّ المرأة لإظهاره، فالمرأة إذا اكتحَلَتْ لا يَنبغي لها أنْ تَخرج إلى الأماكن التي يَراها فيها الرِّجال الأجانب،، والله أعلم.