لا أطيق عائلتي
لا أعرف ما حل بيني وبين عائلتي ، أعيش مع أبي وأمي وأخوتي في بيت واحد ولا أستسيغ الحديث معهم ولا أحسن لهم القول ولا أشعر تجاهم بأي شيء ، ولا أحب أن أتقرب منهم وأجالسهم ، وأعلم أن ما أفعله خطأ ، ولكن ماذا أفعل إن انقطعت وبدون أسباب واضحة مودتي لهم وصلتي بهم ونحن تحت سقف بيت واحد؟! ، لا أريدهم أن ينظروني ولا أريد أن أنظرهم ، وكأنني لست ابنهم ولا هم بأهلي ، أفيدوني هدانا الله وأياكم.
الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ ومن والاهُ، أمَّا بعدُ:
فإن الإقدام على عدم مخالطة الأهل وتجنبهم، وعدم إحسان القول، من الذنوب الكبيرة، وصاحبها محفوف المخاطرِ الدنيوية؛ كما يشهدُ به الواقعُ، فكم من أحد أساء إلى والديه، فحدث ما لم تحسن عقباه، ولم يجن إلا الخسارة، حتى صار عبرة لمن يعتبر.
فحق الوالدين في البر والصلة، والعشرة الجميلة، والصلة والصحبة الكريمة الطيبة، والكلام اللين = من أعظم واجبات الشريعة، ولا يُسقِط أبدًا؛ كما قال - تعالى -: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} [لقمان: 15]؛ أي: وإن اجتهدا في صدِّك عن سبيل الله، وحرصا كلَّ الحرص على أن تتابعهما على الكفر، فلا تَقبَلْ، ولا يمنعنك ذلك من أن تحسن إليهما، وتأمل سموَّ الأسلوب في قوله: {فَلا تُطِعْهُمَا}، ولم يقل - سبحانه وتعالى -: فعقَّهما، أو وبخْهما، أو اضربهما، أو غيرها، ولكن فقط لا تطعها مع الاستمرار على البر والإحسان.
وتأمل كيف أن خليل الرحمن إبراهيم - عليه السلام - لما قال له أبوه وهو كافر: {لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا} [مريم: 46]، أجبابه عليه السلام بقوله: {سَلَامٌ عَلَيْكَ} [مريم: 47].
فإغضاب الوالدين من أعظم الذنوب التي توجب غضب الله - عز وجل، ومن أكبر الكبائر؛ كما قال – تعالى- : {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ} [محمد: 22، 23].
قال الله تعالى:{وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا* وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا } [الإسراء: 23، 24].
فإن الله تعالى أمر بالتوحيد قضاء، ثم ذكر بعد حقه القيام بحق الوالدين ، فأمر الأبناء أن يحسنوا إليهما بجميع وجوه الإحسان القولي والفعلي؛ لأنهما سبب وجود العبد، ولهما من المحبة للولد والإحسان إليه والقرب ما يقتضي تأكد الحق ووجوب البر، ونهى أدنى مراتب الأذى تنبيهًا على ما سواه، فلا يزجرهما، ولا يتكلم لهما كلامًا خشنًا، وإنما يخاطبها بلفظ يحبانه، بكلام لين حسن يلِذ على قلوبهما، وتطمئن به نفوسهما، ويتواضع لهما ذلاً ورحمة واحتسابًا للأجر.
إذا تقرر هذا، فالواجب عليك شرعًا أن تتوقف عن ذلك الخلق، وأن تقف مع نفسك وقفة تأمل فيما ذكرناه لك، ولتجاهد نفسك في ذات الله تعالى على العمل به، والتماسً رضا والديك؛ لأن رضا الرب في رضا الوالدين، وسخطه في سخطهما؛ كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح الذي أخرجه الطبراني والبيهقي، وروى أحمد وأبو داود والترمذي عن حديث أبي الدرداء قال: ((سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم – يقول: "الوالد أوسط أبواب الجنة، فإن شئت فأَضِع ذلك الباب، أو احفظه"؛ قال الترمذي: حسن صحيح.
ولا تنس أن الشيطان يحرش بينك وبين والديك، ويبغض إليك السعي في برهما، ويزين لك القول الخشن والفعل الجاف؛ ليضلك عن صراط الله المستقيم،، والله أعلم.
- المصدر: