تحرير الفارق بين الدعاء والاستخارة
السلام عليكم اذا اردت شيئا بشدة ادعي الى الله ام اصلي استخارة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبه ومن والاه، أما بعدُ:
فإن الاستخارة إنَّما شُرِعَت لطلب الخيرة من الله - سبحانه - فحقيقتها التوكُّل والتفْويض قبْل وقوع المقْدور، والرِّضا بعدَه، ويفوِّض أمرَه إلى الله - عزَّ وجلَّ - وأن يرْضى بما يَختاره له ربُّه - جلَّ وعلا، والحديث الذي رواه البخاري يدل على ذلك؛ فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، قال: كان رسول الله صلى الله عليه يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها، كما يعلمنا السورة من القرآن، يقول: "إذا هم أحدكم بالأمر، فليركع ركعتين من غير الفريضة، ثم ليقل: اللهُمَّ إنِّي أستخيرُك بعلمِك، وأستقْدِرُك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم فإنَّك تعلم ولا أعلم، وتقْدر ولا أقْدر، وأنت علام الغيوب، اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري - أو قال عاجل أمري وآجله - فاقدره لي ويسره لي، ثم بارك لي فيه، وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري - أو قال في عاجل أمري وآجله - فاصرفه عني واصرفني عنه، واقْدر لي الخير حيثُ كان ثمَّ رضِّني به".
وقد بين معنى الاستخارة الإمام ابن القيِّم فقال في "زاد المعاد": "فعوَّض رسولُ الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - أمَّته بهذا الدُّعاء عمَّا كان عليْه أهل الجاهليَّة، من زجْر الطَّير، والاستِقْسام بالأزلام، الَّذي نظيره هذه القرعة التي كان يفعلها إخْوان المشْركين يطلبون بها عِلْم ما قُسم لهم في الغيْب، وعوَّضهم بهذا الدُّعاء، الذي هو توْحيد وافتِقار، وعبوديَّة وتوكُّل، وسؤال لِمَن بيده الخيرُ كلُّه، الذي لا يأْتي بالحسنات إلاَّ هو، ولا يصْرف السيِّئات إلاَّ هو، الَّذي إذا فتح لعبدِه رحمةً لَم يستطع أحد حبْسَها عنه، وإذا أمْسكها، لم يستطِع أحدٌ إرْسالَها إليْه - من التطيُّر والتَّنجيم، واختِيار الطالع ونحوه.
فهذا الدُّعاء هو الطَّالع الميْمون السَّعيد، طالع أهلِ السَّعادة والتَّوفيق، الَّذين سبقتْ لهم من الله الحسنى، لا طالع أهلِ الشرك والشَّقاء والخذلان، فتضمَّن هذا الدُّعاء الإقْرار بوجوده - سبحانه - والإقْرار بصفات كمالِه، من كمال العلم والقدرة والإرادة، والإقْرار بربوبيته، وتفويض الأمر إليه، والاستعانة به، والتوكُّل عليه، والخروج من عهدة نفسِه، والتبرِّي من الحول والقوَّة إلاَّ به، واعتراف العبْد بعجزِه عن علمه بمصلحة نفسِه، وقدرته عليها، وإرادته لها، وأنَّ ذلك كلَّه بيدِ وليِّه وفاطره وإلهِه الحقّ، الاستِخارة توكُّل على الله، وتفْويض إليه، واستقْسام بقدرته وعلمه وحسن اختياره لعبده". اهـ.
أما الدعاء المحض، فيكون في كل ما يحتاجه الإنسان ويريده من أمور الدنيا والآخرة؛ كقوله تعالى: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة: 201].
والحاصل أن الاستخارة مشروعة لمن خطر له فعل حاجة ونحوها، والهم الفعل الاختياري المتعلق بإرادة العبد، وهو أوّل ما يَرِدُ على القلب، فيظهر له ببركة الصلاة والدعاء ما هو الخير، كم همّ بتجارة أو سفر أو زواج أو شراكة أو غير ذلك.
أما والدعاء فهو مشروع لكل ما يريد الإنسان تحصيله من أمر الدنيا أو الآخرة، فمثلاً من يرد مالاً، أو ولدًا أو سيارة أو غير ذلك، فإنه يدعو الله ولا يستخيره،، والله أعلم.
- المصدر: