صمت أيام الحيض جهلًا ولم أقضِ
خالد عبد المنعم الرفاعي
"إذا أكل الصَّائمُ، أوْ شرِب، أوْ جَامَع، جاهِلاً بِتحريمِه، فإنْ كان قرِيبَ عهْدٍ بإسْلامٍ، أوْ نشأ ببادِيةٍ بعيدةٍ، بِحيثُ يخْفى عليْهِ كوْنُ هذا مُفطِّرًا - لم يُفْطِرْ؛ لأنَّه لا يأْثمُ، فأشْبه النَّاسِيَ الَّذِي ثبت فِيهِ النَّصُّ"
- التصنيفات: فقه العبادات -
قبل البلوغ كنت اصوم رمضان ولكن ليست كل الايام عندما أتعب او اعطش افطر، وعندما كنت في سن العاشرة اتتني الدورة الشهرية في رمضان ولم أخبر اهلي بذلك خجلاً وأكملت صيامي على نفس الطريقة اصوم ولكن ليست كل الايام.وفي رمضان الذي يليه علمت انني مكلفة لصيامه كله ولكن كنت اصوم ايام الدورة جهلاً مني بذلك الشيء كنت اصومه كاملاً ولا اقضي ولم تكن لدي المعلومات الكافية عن هذا الشيء، وبمجرد علمي انه لابد الافطار وقت الدورة والقضاء بعده التزمت بذلك. فهل عليّ شيء وماذا افعل ؟ ولا أعلم كم يوم افطرت ولا اعلم كم يوم صُمت في وقت الدورة.
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:
إن كان الحال كما ذكرت فلا يجب عليك القضاء؛ لأنك فعلت ذلك بجهل، وقد دلَّ على ذلك أدلَّة كثيرةٌ من الكتاب والسنَّة، عامَّةً وخاصَّة؛ منها قولُه تعالى: {لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} [الأنعام: 19] فكل من بلغه القرآن من إنسي وجني فقد أنذره الرسول به. والإنذار هو الإعلام بالمخوف والمخوف هو العذاب ينزل بمن عصى أمره ونهيه.
وقال تعالى:{وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا } [الإسراء: 15]، ولقوله: {رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [النساء: 165]، ومثل هذا في القرآن كثير، بين سبحانه أنه لا يعاقب أحدًا حتى يبلغه ما جاء به الرسول، ومن كان مسلمًا وجهل كثيرًا مما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، لم يعاقب على ما لم يبلغه، ولا يجب عليه قضاء ما فاته.
قال النَّووي في "المجموع": "إذا أكل الصَّائمُ، أوْ شرِب، أوْ جَامَع، جاهِلاً بِتحريمِه، فإنْ كان قرِيبَ عهْدٍ بإسْلامٍ، أوْ نشأ ببادِيةٍ بعيدةٍ، بِحيثُ يخْفى عليْهِ كوْنُ هذا مُفطِّرًا - لم يُفْطِرْ؛ لأنَّه لا يأْثمُ، فأشْبه النَّاسِيَ الَّذِي ثبت فِيهِ النَّصُّ، وإنْ كان مُخالِطًا لِلمُسْلِمين، بِحيْثُ لا يخْفى عليْهِ تحْرِيمُه - أفْطر؛ لأنَّهُ مُقصِّرٌ". اهـ.
وقال شيخُ الإسلام ابنُ تيمية في "الفتاوى الكبرى: "والصَّائم إذا فعل ما يُفْطِر به جاهلاً بتحْريم ذلك، فهل عليْه الإعادة؟ على قوليْن في مذهبِ أحمد.
وأصْلُ هذا أنَّ حكْمَ الخِطاب: هل يثبتُ في حقِّ المكلَّف قبل أن يَبْلغه؟ فيه ثلاثةُ أقوالٍ في مذهَبِ أحْمد وغيرِه، قيل: يثبُت، وقيل: لا يثبُت، وقيل: يثبت المبتدأُ دون النَّاسخ.
والأظهر: أنَّه لا يَجب قضاءُ شيءٍ من ذلك، ولا يثبُت الخِطاب إلاَّ بعد البلاغ؛ لقولِه تعالى:{لأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ} [الأنعام: 19]، وقوله: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} [الإسراء: 15]، ولقولِه: {لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [النساء: 165]، ومثْلُ هذا في القُرْآن متعدِّد، بيَّن - سبحانه - أنَّه لا يعاقِبُ أحدًا حتَّى يَبْلغه ما جاء به الرَّسول، ومَن علِم أنَّ محمَّدًا رسولُ الله، فآمنَ بذلك، ولم يعلم كثيرًا ممَّا جاء به - لم يعذِّبْه الله على ما لم يبلغْه، فإنَّه إذا لم يعذِّبْه على ترْك الإيمان بعد لْبُلُوغ، فإنَّه لا يعذِّبُه على بعْض شرائطِه إلاَّ بعد البلاغ أوْلى وأحْرى، وهذه سنَّة رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - المستفيضة عنْه في أمثال ذلك.
فإنَّه قد ثبت في الصِّحاح: أنَّ طائفةً من أصحابِه ظنُّوا أنَّ قولَه تعالى: {الخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الخَيْطِ الأَسْوَدِ} [البقرة: 187] هو الحبل الأبْيض من الحبل الأسود، فكان أحدُهم يربِطُ في رِجْلِه حبلاً، ثُمَّ يأكُل حتَّى يتبيَّن هذا من هذا، فبيَّن النَّبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: أنَّ المراد: بياضُ النَّهار وسوادُ الليل، ولم يأمُرْهُم بالإعادة.
وكذلك عُمر بن الخطَّاب وعمَّار أجْنَبا، فلم يصلِّ عُمر حتَّى أدْرك الماء، وظنَّ عمَّار أنَّ التراب يصِلُ إلى حيثُ يصِل الماء، فتمرَّغ كما تتمرَّغ الدَّابَّة، ولم يأمُر - صلَّى الله عليه وسلَّم - واحدًا منهم بالقضاء، وكذلك أبو ذرٍّ بقِي مدَّة جُنُبًا لم يُصلِّ، ولم يأمرْه - صلَّى الله عليه وسلَّم - بالقضاء،بل أمَرَهُ بالتيمُّم في المستقبل.
وعليه؛ فلا تجب عليْكِ قضاء الأيام التي صمتها خطأ ولم تقضها ما دُمْتِ كنت جاهلةً بالحكْم في ذلك الوقت،، والله أعلم.