ماضي الزوجة والشك

منذ 2020-08-09
السؤال:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته انا شاب تزوجت من فتاه يتيمه تربت في بيت عائلة تبنتها من دار رعاية الأيتام بعد عقد الزواج اكتشفت ان لها علاقات مع الشباب وان لها صديقات سوء واجهتها قالت إنها لن تعود لمثل هذا وانها سوف تحافظ على البيت وتحافظ على ثم بعد الزواج بأسبوع تبين لي انها عادت للحديث مع صديقاته وعادت تبحث عن الماضي مره أخرى واجهتها اقسمت لي ان لا اتركها وانها لن تعود مرة أخرى وان ليس لها احد غيري مع العلم انها تنظر إلى الرجال والى أصدقائي اما من ناحية البيت فهي تحافظ على واجبات البيت تحافظ على صلاتها في وقتها وتجتهد في قراءة القرآن أنا في حيرة هل اصدقها هذه المره ام انها تكذب علي مثل قبل المشكله انها فعلت ذلك في ثاني اسبوع بعد الزواج

الإجابة:

الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:

فإن كان حال زوجتك كما ذكرت فقد أسأت في الاختيار؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم حث الشباب على الزواج من المرأة ذات الدين والخلق، وأوصى بالمرأة الدينة، فقال - صلَّى الله عليْه وسلَّم - فيما رواه الشَّيخان عن أبي هُرَيرة - رضي الله عنه -: ((تُنْكَحُ المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، وجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين - تربت يداك))، وقال: ((المَرْأة تُنْكَح على دينِها، ومالِها، وجَمالها، فعليْك بذات الدين - ترِبت يداك))؛ رواه مسلم عن جابر.

وما ذاك إلا لأن من أعْظم مقاصِد النِّكاح: التعاوُنَ على الدِّين، وتَكْثيرَ أمَّة خاتم النَّبيِّين، فاللاَّئق بذي الدين والمروءة أن يكون الدِّين مطمح نظرِه في كلِّ شيْءٍ، لاسيَّما فيما تطول صحبتُه.

والذي يظهر من تكرار ذنب زوجتك في تلك المدة القليلة أن الفساد مُتَأَصِّلٌ في النفس وغائر في الأعماق، وَهَذَا ما يَدْفَعُهَا لِتَكْرَارِ فعلَتِهَا فمن فسد طبعه لم يفده التأديب؛ إلا أن يشاء الله شيئا؛ وما أجود ما قال الشاعر:

 إِذا كَانَ الطباعُ طباع سوءٍ ... فَلَا أدب يُفيد وَلَا أديب

 فيخشى أن يعود عليك إمساكُها بالشر؛ وقد قال الله تعالى: {الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ} [النور: 26].

والعفوُ والصفح عَن الخلق والمُسَامَحَةُ صفاتٌ نبيلةٌ حَسَنَةٌ، لكن إنَّما تُحْمَدُ إن لم يَكُنْ ثَمَّ انتهاكٌ لحُرُمَاتِ اللهِ وحُدُوده، وإلا؛ لَكَانَ قَبُولًا بِالْخَنَا، والفَسَادِ في النفس، وَالأَهل، وإقرار للمنكر، فليسَ كلُّ عفوٍ عَنِ النَّاسِ يكون خيرًا، فقد كان النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – غاية في حسن الخلق، وأعظمَ الناسِ حِلْمًا وعفوًا، لكن كَانَ ذَلِكَ يَنتَهِي عندَ حُدُودِ اللهِ، فَلَا عَفْوَ فيها، ولا عُدوانَ عليها.

كما في الصحيحين عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: "مَا ضَرَبَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَيْئًا قَطُّ بِيَدِهِ، وَلَا امْرَأَةً، وَلَا خَادِمًا، إِلَّا أَنْ يُجَاهِدَ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَمَا نِيلَ مِنْهُ شَيْءٌ قَطُّ، فَيَنْتَقِمَ مِنْ صَاحِبِهِ، إِلَّا أَنْ يُنْتَهَكَ شَيْءٌ مِنْ مَحَارِمِ اللهِ، فَيَنْتَقِمَ للهِ عَزَّ وَجَلَّ".

وَلَمَّا كان اللهُ يعلَمُ من عِبَادِهِ انعِطَافًا مَذْمُومًا عَلَى أصحابِ المَعَاصِي، نَهَانَا عن تلكَ الرحمةِ والرأفة في هَذَا البَابِ، فَقَالَ - سبحانَهُ – في حق الزناة: {وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللهِ} [النور: 2]؛ قال شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميَّةَ - رَحِمَهُ اللهُ -: "نَهَى - تَعَالَى - عَمَّا يَأْمُرُ بِهِ الشَّيْطَانُ فِي الْعُقُوبَاتِ عُمُومًا، وَفِي أَمْرِ الْفَوَاحِشِ خُصُوصًا، فَإِنَّ هَذَا الْبَابَ مَبْنَاهُ عَلَى الْمَحَبَّةِ، وَالشَّهْوَةِ، وَالرَّأْفَةِ الَّتِي يُزَيِّنُهَا الشَّيْطَانُ بِانْعِطَافِ الْقُلُوبِ عَلَى أَهْلِ الْفَوَاحِشِ، وَالرَّأْفَةِ بِهِمْ؛ حَتَّى يَدْخُلَ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ بِسَبَبِ هَذِهِ الْآفَةِ فِي الدِّيَاثَةِ، وَقِلَّةِ الْغَيْرَةِ، إذَا رَأَى مَنْ يَهْوَى بَعْضُ الْمُتَّصِلِينَ بِهِ، أَوْ يُعَاشِرُهُ عِشْرَةً مُنْكَرَةً، أَوْ رَأَى لَهُ مَحَبَّةً، أَوْ مَيْلًا، وَصَبَابَةً، وَعِشْقًا، وَلَوْ كَانَ وَلَدُهُ، رَأَفَ بِهِ، وَظَنَّ أَنَّ هَذَا مِنْ رَحْمَةِ الْخَلْقِ، وَلِينِ الْجَانِبِ بِهِمْ، وَمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ دِيَاثَةٌ، وَمَهَانَةٌ، وَعَدَمُ دِينٍ، وَضَعْفُ إيمَانٍ، وَإِعَانَةٌ عَلَى الْإِثْمِ، وَالْعُدْوَانِ، وَتَرْكٌ لِلتَّنَاهِي عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ، وَتَدْخُلُ النَّفْسُ بِهِ فِي الْقِيَادَةِ الَّتِي هِيَ أَعْظَمُ الدِّيَاثَةِ". انتهى من "مجموع الفتاوى" (15/287-288).

ولمزيد فائدة راجع فتوى: "زوجتي لم تتغير حتى بعد الطلاق".

هذا؛ والله أعلم.

خالد عبد المنعم الرفاعي

يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام

  • 4
  • 0
  • 3,746

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً