ما حكم هذا النوع من التجارة على الإنترنت؟
خالد عبد المنعم الرفاعي
فقد أجمع العلماء على جواز بيع الموصوف في الذمة مما ليس عند البائع، إن كان مؤجلاً، وهو ما يسمى عند الفقهاء بالسلم المؤجل، فالسلم الحال أولى بالجواز، وهو مذهب الإمام الشافعي، واختاره شيخا الإسلام ابن تيمية وابن القيم.
- التصنيفات: فقه المعاملات -
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أريد أن أسأل عن حكم طريقة تخص العمل عبر الانترنت. أقوم ببناء موقع على الانترنت وأبحث عن منتجات يمكنني بيعها، أبحث جيدا عن مواصفاتها، وخاصة عن فعاليتها الحقيقية من خلال آراء الناس الذين اشتروا هذه للسلعة من قبل. حينها فقط اتواصل مع ممون اعرفه يعمل في الصين، واطلب منه ان كانت عنده هذه السلعة متوفرة، وان لم تكن متوفرة ان يوفرها. الممون يوفر السلعة في مستودعه دون ان اشتريها منه، ولكن انا على دراية كاملة بالكمية المتوفرة واتفق معه اتفاقا كاملا مفصلا واتواصل معه كل يوم. اضع السلعة في موقعي بكل مواصفاتها (سلعة موصوفة وليست عينة) وصورها وأجل التسليم وصفا يرفع الشك وبسعر معلوم موضح. اذكر في الموقع ان هذه السلعة ليست ملكا لي، وانما ملك للممون. ابيع السلعة بعمولة مع رضا الممون. عندما يشتري احد السلعة في الموقع، اخبر الممون وادفع له ثمن الشراء واخذ الفائدة لي. الممون يشحن السلعة ويوصلها للمشتري في الأجل المعلوم دون أن تصل إلي، لكنها سلعة مميزة عند الممون. ان كان هناك اي خلل في السلعة فيمكن للزبون اخباري وأعوضه ثمنها. هل هذه المعاملة تجوز؟ هل تدخل في بيع السلم اي بيع الموصوف في الذمة الى أجل معلوم؟ وهل يجوز بارك الله فيكم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن كان الحال كما ذكرت أنك تبيع منتجات موصوفة وصفًا منضبطًا، ينفي عنها الجهالة، مع معلومية جنسها وقدرها ونوعها، وليس فيها محذور شرعي= فهو من السلم الحال، وهو من البيوع الجائزة؛ فقد أجمع العلماء على جواز بيع الموصوف في الذمة مما ليس عند البائع، إن كان مؤجلاً، وهو ما يسمى عند الفقهاء بالسلم المؤجل، فالسلم الحال أولى بالجواز، وهو مذهب الإمام الشافعي، واختاره شيخا الإسلام ابن تيمية وابن القيم؛ لأنه أبعد عن الغرر، وإنما نهى الشارع الحكيم عن بيع ما لم يقدر على تسليمه، أو ما كان يغلب على الظن عدم توفره أو جوده، وكذلك ما لا يقدر على تسليمه.
وقد قرر الأئمة المتبعين أن الأصل في البيوع الحل إلا بنص محرم؛ لقوله تعالى: قال الله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275]، وقال: {أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: 29].
وقد نص على صحة السلم الحال شيخ الإسلام ابن تيمية، كما في "المستدرك على مجموع الفتاوى" (4/ 6): "... وهو المراد بقوله - صلى الله عليه وسلم - لحكيم بن حزام: "لا تبع ما ليس عندك"، فلو لم يجز السلم حالاً؛ لقال: لا تبع هذا".
أما نهي رسول الله عن بيع ما ليس عندك، فهو نهي عن بيع ما لا يقدر على تسليمه، وما ليس في ملكه وقدرته؛ لأن ما لا يقدر على تسليمه ليس عنده حقيقة، فيكون بيعه غررًا ومغامرة، وهو من باب القمار، وهو أشبه ببيع الطير في الهواء، ويدخل فيه النهي عن بيع الأعيان التي لا يملكها؛ لأنه لا يدري هل يجيزه غيره أم لا؟ كما فسره الإمام الشافعي.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (20/ 529):
"... إما أن يراد به بيع عين معينة، فيكون قد باع مال الغير قبل أن يشتريه وفيه نظر، وإما أن يراد به بيع ما لا يقدر على تسليمه وإن كان في الذمة، وهذا أشبه؛ فيكون قد ضمن له شيئًا لا يدري هل يحصل أو لا يحصل؟". اهـ.
وقال الإمام ابن القيم في "زاد المعاد" (5/716-720): -: "إن الحديث لم يرد به النهي عن السلم المؤجل، ولا الحال مطلقًا، وإنما أريد به أن يبيع ما في الذمة مما ليس هو مملوكًا له، ولا يقدر على تسليمه، ويربح فيه قبل أن يملكه، ويضمنه ويقدر على تسليمه، فهو نهي عن السلم الحال إذا لم يكن عند المستسلف ما باعه، فيلزم ذمته بشيء حال، ويربح فيه، وليس هو قادرًا على إعطائه، وإذا ذهب يشتريه فقد يحصل وقد لا يحصل، فهو من نوع الغرر والمخاطرة، وإذا كان السلم حالاً وجب عليه تسليمه في الحال، وليس بقادر على ذلك، ويربح فيه على أن يملكه ويضمنه، وربما أحاله على الذي ابتاع منه، فلا يكون قد عمل شيئا، بل أكل المال بالباطل، وعلى هذا فإذا كان السلم الحال والمسلم إليه قادرًا على الإعطاء، فهو جائز، وهو كما قال الشافعي: إذا جاز المؤجل، فالحال أولى بالجواز".
وعليه فالصورة الواردة في السؤال جائزة، وهي من السلم الحال،، والله أعلم.