كيف ادفع وساوس الشيطان
خالد عبد المنعم الرفاعي
السلام عليكم احيانا تاتي لي أفكار اني لست مؤمنه حقيقه او أفكار شرك والعياذ بالله كيف يمكنني ان احارب تلك الأفكار فأنا اخاف ان اموت
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:
فإن تشكيك الشيطان المسلم في دينه وسوسة منه ليضل العبد، والدواءُ الناجعُ لهذا الداء، هو الإعراض عن الوساوس، وعدم الالتفات إليها؛ لأنها من عمل الشيطان؛ يُريد بها أن يُفْسِد دينَ المسلم، وعبادَتَه، وإيمانَه، ودفعُ الوساوس، وإبعادُها عن النَّفْسِ بقوة، وإهْمالُها، وقطعُ الاسترسال فيها، وعدمُ الالتفات إليها، أو الاستسلام لها - هو ما وصى به النبي - صلى الله عليه وسلم – فيما رواه الشيخان عن أبي هريرة قال: قال رسول الله: ((يأتي الشَّيطانُ أحدَكُم فيقول: مَنْ خَلَقَ كذا من خلق كذا؟ حتَّى يقول : مَنْ خَلَقَ ربَّك؟ فإذا بلغَه فليَسْتَعِذْ بِالله وليَنْتَهِ))؛ والمعنى: إذا عَرَضَ له الوِسواسُ، فيلْجأْ إلى الله - تعالى - في دفعِ شرِّه، وليُعرضْ عن الفكر في ذلك، ولْيَعلمْ أن هذا الخاطر من وسوسةِ الشيطان، وهو إنما يسعى بالفساد، والإغراء؛ فلْيُعرِضْ عن الإصغاء إلى وسوسته، ولْيُبادرْ إلى قطعِها بالاشتغال بغيرها؛ قالهُ الإمامُ النوويُّ في "شرح صحيح مسلم".
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وَالْوَسوَاسُ يَعرِضُ لكُل مَنْ تَوَجهَ إلَى اللهِ - تعالى - بِذِكرٍ، أَوْ غَيْرِهِ، لَا بُدَّ لَهُ مِنْ ذَلِكَ، فَيَنبغِي لِلْعَبدِ أَنْ يَثبُتَ، وَيَصبِرَ، وَيُلازِمَ مَا هو فِيهِ مِنْ الذِّكرِ وَالصلَاةِ، وَلَا يَضجَرُ، فَإِنَّه بِمُلَازمةِ ذلك، يَنْصَرِفُ عَنْهُ كَيْدُ الشيطَانِ، {إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا} [النساء: 76]، وَكُلَّمَا أَرَادَ الْعَبْدُ تَوَجُّهًا إلَى اللهِ - تعالى - بِقَلْبِهِ جَاءَ مِنْ الْوَسْوَاسِ أُمُورٌ أُخْرَى، فَإِنَّ الشيطَانَ بِمَنزِلَةِ قَاطِعِ الطرِيقِ، كُلَّمَا أَرادَ الْعبدُ يَسِيرُ إلَى اللهِ - تعالى - أَرَادَ قَطعَ الطرِيقِ عَلَيْهِ؛ وَلِهَذَا؛ قِيلَ لِبَعْضِ السَّلَفِ: إنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصارَى يَقُولُونَ: لَا نُوَسْوَسُ، فَقَالَ: صَدَقُوا، وَمَا يَصنَعُ الشيطَانُ بِالْبَيْتِ الْخَرَابِ". اهـ.
وإذا استسلمَ الشخصُ للوَسَاوِس، ولم يقطعْها، فقد تجرُّه إلى ما لا تُحمَد عُقباه - والعياذ بالله - ومن أفضل السُّبل إلى قطعِها والتخلُّص منها: الاقتناعُ بأن التمسُّك بها اتِّباعٌ للشيطان.
وقال ابن حجر الهيتمي: "للوسواس دواءٌ نافعٌ هو الإعراضُ عنه جملةً، وإن كان في النفس من التردُّد ما كان، فإنَّه متى لم يلتفِتْ لذلك، لم يثبُت، بل يذهبُ بعد زمن قليلٍ؛ كما جرَّب ذلك الموفَّقون، وأمَّا مَن أصغَى إليها، فإنَّها لا تزالُ تَزدادُ به حتَّى تُخْرِجه إلى حيِّز المجانين، بل وأقبحَ منهم؛ كما شاهدناه في كثيرٍ مِمَّنِ ابْتُلوا بِها، وأصغَوْا إليها، وإلى شيطانها". اهـ.
وقال العِزُّ بنُ عبدالسلام: "دواءُ الوَسْوَسَةِ أن يعتَقِدَ أنَّ ذلك خاطرٌ شيطانيٌّ، وأنَّ إبليسَ هو الذي أورَدَهُ عليه، وأن يُقاتِلَه، فإنَّ له ثوابَ المُجاهد، لأنَّهُ يُحاربُ عدوَّ الله، فإذا استَشْعَر ذلك، فرَّ منه". اهـ.
هذا؛ ومِمَّا يُعين على دَفْعِ الوساوس والتغلُّبِ عليها:
1- صدق الالتجاء إلى الله - تعالى - بالدُّعاء، وإخلاص التوجه إليه: أن يدفع الله تلك الوسوسة، وأن يرزقك اليقين، مع الِانتِهَاءِ عن تِلكَ الوَسَاوِسِ والخَوَاطِرِ؛ وعدم الِالتفاتِ إليْها، والإعرِاض عنْها جملة.
2- الإكثار من قراءة القرآن بتدبُّرٍ، والمُحافظة على ذِكْرِ الله - تعالى - في كلِّ حال - لا سيَّما - أذكارِ الصَّباحِ والمساءِ، وأذكارِ النَّومِ والاستيقاظِ، ودخولِ المَنْزِل والخروجِ، ودخولِ الحمَّامِ والخروجِ منه، والتَّسميةِ عند الطعام، والحمدِ بَعدَه، وغير ذلك؛ فقد روى أبو يَعلى عن أنسٍ أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إنَّ الشيطان وَضَعَ خَطْمَهُ عَلَى قلبِ ابْنِ آدَمَ، فإنْ ذَكَرَ الله خَنَسَ، وإن نَسِيَ التَقَمَ قلْبَه، فذلك الوَسواسُ الخنَّاس))، ومن أفضل الكتب الجامعة لذلك؛ كتابُ "الأذكار" للإمام النَّوويِّ.
3- الاستعاذةُ بالله من الشيطان الرجيم، والإعراضُ عن وسْوسَتِه، وقطعُ الاستِرْسال مع خُطُواته الخبيثة في الوسوسة؛ فذاك أعظمُ علاج؛ فالشيطان إذا وَسْوَسَ، فاستعذتِ بالله منه، وكفَفْتِ عن مطاوَلَتِهِ في ذلك، اندَفَعَ بإذن الله.
فعن عُثْمَان بْنِ أبي العاص قال: "يا رسول الله، إنَّ الشَّيطانَ قدْ حالَ بيْنِي وبيْنَ صلاتِي وقراءَتِي؛ يُلَبِّسُها عليَّ، فقال رسول الله - صلَّى الله علَيْهِ وسلَّم -: ((فإذا أحسَسْتَهُ، فتعوَّذْ بِالله منه، واتْفُلْ عن يَسارِك ثلاثًا))، قال: ففعلتُ ذلك، فأذهَبَهُ اللهُ عنِّي"؛ رواه مسلم.
فالوَسَاوِسُ من إلقاءِ الشيطان، ولا قوةَ لأحدٍ بدفعِه إلَّا بمَعُونةِ الله - تعالى - وكفايته - ومن ثمّ أَُمرنا بالِالتجاءِ إلى الله، والتعويلِ في دفعِ ضَرَرِهِ عليه، وذلك.
4- الانشغالُ بالعُلوم النافعةِ، وحضورُ مَجالس العلمِ، ومُجالسةُ الصالحين، والحذَرُ من مُجالسةِ أصحاب السُّوء، أوِ الانفراد والانعِزَال عنِ الناس، ولْتعلَمي أن الشيطانَ يريدُ بوَسْوَسته إفسادَ الدين والعقل، ولذلك؛ ينبغي أن تجتهدي في دفعِها بالاشتغال بغيرها.
5- الإكثارُ من الطَّاعات، والبُعدُ عن الذُّنوب والمعاصي، والحرصُ على قوة النفس، وصدقُ التوجُّه إلى فاطر الإنس والجن، والتعوُّذُ الصحيحُ الذي يتوَاطَأُ عليه القلبُ واللسانُ، فإنَّ ما أنتِ فيه من مجاهَدةٍ هو نوعُ مُحارَبَةٍ، والمحارِب لا يتمُّ له الانتصاف من عدوِّه بالسلاح إلَّا بأمرين: أن يكون السلاحُ صحيحًا في نفسه جيدًا، وأن يكون الساعدُ قويًّا، فمتى تخلَّف أحدُهما، لم يُغنِ السلاحُ كثيرَ طائلٍ.
هذا؛ والله أعلم.