هل وزر الفاعل والمفعول به في الشذوذ سواء
خالد عبد المنعم الرفاعي
السلام عليكم و رحمة الله، لدي شبهة راودتني و أرجو منكم أن تنفعوني بالجواب الشافي. سؤالي متعلق بالشذوذ الجنسي بين الرجال. هل الإيتاء في حديثه تعالى عن قوم لوط في قوله "إنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء" و كذا في قوله "أتأتون الذكران من العالمين" كناية عن الوطء؟ و إن كان كذلك هل يعني هذا أن الله تعالى شجب فقط فعل الفاعل في عملية الجماع بين الرجلين، و أن المفعول به ليس عليه شيء و أنه قد يكون معذور و لو كان راغبا في ذلك لسبب خلقي مثلا؟
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه،
فقد أجمع العلماء على تَحريمُ فاحشة اللُّوطيَّة، وأنها من أقْبح المعاصي، على كل من الفاعل والمفعول به، وأنه يجب قتلهما رجما بالحجارة سواء كانا محصنين أو غير محصنين، وقد ذكر الله تعالى أنه عذَّب مقترفَهَا بعذابٍ ما عذَّبه أحدًا من الأُمم، ولم يفرق في العذاب بين الفاعل والمفعول به؛ وحكم رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - على الفاعل والمفعول به بالقتل وهو الرَّجم بالحجارة حتى الموت؛ كما في السُّنن عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَن وجدتُموه يعمل عملَ قومِ لوطٍ، فاقْتلوا الفاعل والمفعول به))، وروى أبو داود عن ابن عباس رضي الله عنهما في البكر يوجد على اللوطية، قال: يرجم، وروى عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه نحو ذلك.
قال شيخ الإسلام: "وقد اتَّفق الصَّحابة على قتلِهما جميعًا، لكن تنوَّعوا في صفة القتْل؛ فبعضُهم قال: يُرجم، وبعضُهم قال: يُرْمى من أعْلى جدار في القرْية ويُتْبَعُ بالحجارة، وبعضهم قال: يُحْرق بالنَّار؛ ولهذا كان مذهب جمهور السَّلف والفُقهاء: أنَّهما يُرجمان، بِكْرَين كانا أو ثيِّبَين، حُرَّين كانا أو مملوكَين، أو كان أحدُهُما مملوكًا للآخَر، وقد اتَّفق المسلِمون على أنَّ من استحلَّها بمملوك أو غير مملوك، فهو كافرٌ مرتدٌّ، وكذلك مقدِّمات الفاحشة عند التلذُّذ بقبلة الأمرد، ولمسِه، والنَّظر إليْه، هو حرام باتِّفاق المسلمين".
أما ما يذكره السائل من شبهة أن المفعول به ليس عليه شيء لأنه قد يكون معذور، ولو كان راغبًا في ذلك لسبب خلقي.
فالجواب أن القرآن والسنة وإجماع الصحابة لم تفرق بين الفاعل والمفعول به في الإثم والعقاب، وأنكر عليهم سوء صنيعهم، وما كانوا يفعلونه من قبيح الأعمال، فذكر الآتي والمأتي، قال الله تعالى: {أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ} [الشعراء: 165].
أما من يشعر بميل للشذوذ فالواجب عليه التَّداوي بأدْوية الشَّرع؛ فإنَّ الله أنزل الدَّاء، وأنزل الدَّواء، وجعل لكلِّ داءٍ دواءً؛ كما رواه أحْمد وأبو داود.
فيجب على من أبتلي بهذا المسارعة بعلاج نفسه إيمانيًّا، ونفسيًّا، وأن يجاهد نفسَه في ذات الله؛ وقد وعد الله كل من جاهد نفسه فيه سبحانه أن يهديه سواء السبيل؛ كما قال الله – تعالى -: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت: 69].
وقال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((ومَن يسْتَعْفِفْ يُعِفَّه الله، ومَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِه الله، ومَنْ يتصبَّر يُصَبِّرْهُ الله، وما أُعطيَ أحدٌ عطاءً خيرًا وأوسعَ منَ الصَّبر))؛ متَّفقٌ عليْه.
فالشذوذ مرتبط ارتباطًا وثيقًا بصلاح القلب وفسادِه، فهو العاملُ المباشرُ والأساسي لتعديل السلوك أو انحرافه، والأخلاقُ الكريمةُ منها ما هو مَرْكوزٌ داخل النفس البشرية، ومنها ما يكتسبه المرءُ بالمجاهَدة الذاتية والتدريب، والخواء الروحي واتباع الهوى لهما الأثَرَ المباشر في تسلُّط تلك الشهوة واستيلائها على القلب، وتحجبه عن غيرها، حتى لا يعقلَ سواها!
فمحبةُ الفواحش مرضٌ في القلب، والشهوةُ توجب السُّكر وتُغَيِّب العقل، ومِن ثمَّ فلا دواء لمرض الشذوذ إلا بصدق الضراعة إلى الله الرحمن الرحيم، فهذه هي الرحمةُ النافعةُ لعلاج الْتواءات النفس البشريةِ؛ وقد بَيَّنَ اللهُ هذا في كتابه العظيم كتاب الهداية للبشرية جمعاء، فقال: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ} [الأنعام: 125]، وقال: {أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ * اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} [الزمر: 22، 23].
وكذلك جمع الله تعالى بين الهدى والإنابة، وبين الضلال وقسوة القلب؛ فقال تعالى: {اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ} [الشورى: 13].
واللهُ تعالى يَعْصِمُ العبد مِن الفتن ومِن الشذوذ بإخلاص الدين لله سبحانه، فيصرف عنه السوء والفحشاء، ومِن السوء فاحشةُ اللواط، ونبيُّ الله يوسف - عليه وعلى أنبياء الله جميعًا الصلاة والسلام - كان مِن أولئك المخلصين؛ فكان يعبُد الله وحده، ولا يُشرك به شيئًا، وتوكَّل على الله سبحانه واستعان به في صَرْفِ كيد النساء وفتنتهنَّ، فاستجاب الله له، فصرف عنه الشر، إنه هو السميعُ العليمُ.
فالشيطانُ لا سلطان له على المؤمنين المتوكِّلين عليه سبحانه؛ قال تعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ * إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ } [النحل: 98 - 100].
والمسلم الحق هو الذي لا يستسلِم للفساد الطارئ على فطرته، ولِمَا وقع فيه من مُوبقات، وإنما يعمل على تقويمها؛ فكلُّ مَنْ به خَصْلَةُ سوء، فهو مطالَبٌ بجهاد النفس على الخلاص منها، وَأَخْذِ النفس بالشدة والحزم، وَحَجْزِهَا عن غيِّها، وعدم الاسترسال مع الشذوذ، والعملِ على كل ما من شأنه أن يقويَ الإيمان، من قراءة القرآن بتدبر، والمحافظة على الفرائض والسنن، مع إدمان الذكر، والنظر في عواقب الأمور؛ فالمعصية والفواحش يعقبها الحُزْنُ، والحرمانُ، وقسوةُ القلب، والفضيحةُ في الدنيا، وعلى رؤوس الأشهاد في الآخرة، وغيرُ ذلك من شؤم المعاصي،، والله أعلم.