هل يوجد تعارض بين وعيد القرآن وأحاديث الشفاعة
خالد عبد المنعم الرفاعي
كيف لا يعارض خلود قاتل المسلم بالنار أحاديث الرسول عن الشفاعة؟ أليس هذا أكبر دليل أن الشفاعة لا تشمل الذين يقتلون المسلمين. لأن القرآن يقول بأن من يقتل نفسا مسلمه يعمد سوف يخلد في النار! وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا. ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم بأن شفاعته سوف تخرج كل من آمن بوجود الله تعالى ومات على التوحيد من النار، هل يمكن أن تعطني تفسير منطقي. شكرآ.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبه ومَنْ والاه، أمَّا بعدُ:
فإن الله سبحانه وتعالى أطلق الخلود في النار على عذاب بعض العصاة كقاتل النفس وعلى بعض أصحاب الكبائر وأطلقه النبي صلى الله عليه وسلم على قاتل نفسه ولم يناف ذلك انقطاع العذاب وانتهاؤه؛ قال الله تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} [النساء: 93]، وقال سبحانه فيمن يجور في المواريث : {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ} [النساء: 14] وقال تعالى في حق من يعص الله فيما أمره ونهاه: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا} [الجن: 23]، فالوعيد في هذه الآيات الكريمات وعيد مقيد بالخلود والتأبيد مع انقطاعه قطعًا بسبب العبد وهو التوحيد.
منها قول النبي صلى الله عليه وسل"من قتل نفسا بحديدة فحديدته في يده يتوجا بها في نار جهنم خالدًا مخلدًا فيها أبدًا، وفي الحديث القدسي في قاتل نفسه فيقول الله تبارك وتعالى: "بادرني عبدي بنفسه حرمت عليه الجنة".
فهذا وعيد مقيد بالخلود والتأبيد مع انقطاعه قطعًا بسبب التوحيد.
"إن اللفظ أنما يدل على الخلد وهو أعم من الدوام الذي لا انقطاع له، فإنه في اللغة المكث الطويل، ومكث كل شيء بحسبه، ومنه قولهم رجل مخلد إذا أسن وكبر، ومنه قولهم لأثافي الصخور خوالد لطول بقائها بعد دروس الأطلال،
قال: إلا رمادا هامدا دفعت ... عنه الرياح خوالد سُحم"، قاله ابن القيم في "حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح" (ص: 39).
هذا؛ ولم يقل بتخليد قاتل النفس في النار وعدم خروجه إلا الخوارج والمعتزلة، فقالت الخوارج: هم كفار؛ لأنه لا يخلد في النار إلا كافر، وقالت المعتزلة: ليسوا بكفار بل فساق مخلدون في النار، هذا كله إذا لم يتوبوا.
وقد دلت آيات القرآن العظيم، والأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأجمع عليه سلف الأمة وأئمة الأمة أن مجرد المعصية لا يوجب الخلود في النار.
مجموع الفتاوى (34/ 137):
"... وأما إذا قتله قتلاً محرمًا؛ لعداوة أو مال أو خصومة ونحو ذلك، فهذا من الكبائر؛ ولا يكفر بمجرد ذلك عند أهل السنة والجماعة، وإنما يكفر بمثل هذا الخوارج؛ ولا يخلد في النار من أهل التوحيد أحد عند أهل السنة والجماعة؛ خلافًا للمعتزلة الذين يقولون بتخليد فساق الملة، وهؤلاء قد يحتجون بقوله تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا} [النساء: 93]، وجوابهم: على أنها محمولة على المتعمد لقتله على إيمانه، وأكثر الناس لم يحملوها على هذا؛ بل قالوا: هذا وعيد مطلق قد فسره قوله تعالى {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48]، وفي ذلك حكاية عن بعض أهل السنة أنه كان في مجلس فيه عمرو بن عبيد شيخ المعتزلة، فقال عمرو: يؤتى بي يوم القيامة فيقال لي: يا عمرو من أين قلت: إني لا أغفر لقاتل؟ فأقول: أنت يا رب قلت: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا}، قال: فقلت له: فإن قال لك: فإني قلت: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}، فمن أين علمت أني لا أشاء أن أغفر لهذا؟ فسكت عمرو بن عبيد". اهـ.
إذا تقرر هذا، فلا تعارض بين خلود القاتل عمدًا في النار وبين أحاديث الشفاعة؛ لأن الخلود هو المكث الطويل، ولأن الله تعالى يغفر ما دون الشرك لمن يشاء من أهل الذنوب والآثام، وهذا ما دلت عليه أحاديث الشفاعة القاضية بخروج أهل الكبائر من النار ومنهم القاتل عمدًا، ومنها حديث ن أنس بن مالك عند أحمد وأصحاب السنن: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي"،، والله أعلم.