أزني ولا أستطيع التوبة
أنا سوري أعيش في ألمانيا أزني ولا أستطيع التوبة لأنني حاليا أعيش مع من أزني معها (سورية أيضا و مسلمة)بدون علم أحد، و لا أستطيع الإبتعاد عنها حبا مهما جاهدت نفسي، مع العلم أننا لا ننام مع بعض و نحاول جاهدين عدم الوقوع في الزنى، و لكن نذنب في العديد من المرات، كما أننا ننوي أن نتزوج لكن لا يمكننا قبل أن تكمل دراستها شرطا من والديها (مع العلم أنها خطيبتي حاليا)، هل يمكنني على الأقل أن أصلي و أنا دوما برفقتها و أدعو الله أن ييسر لنا لأننا لا نريد الإكمال في هذه الطريق، يا شيخ هل من شيئ يمكنني فعله؟
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:
فإن احشة الزّنا من أعظمِ الذّنوب وأفظعها ومن أكبر الكبائر، ومرتكبُه متوعَّد بعقابٍ أليم؛ وقد قرَن الله - جلَّ وعلا - الوعيدَ عليْه بالوعيد على الشّرْك وقتل النَّفس، فقال سبحانه في صِفات عِباد الرَّحْمن: {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً} [الفرقان: 68، 69].
وقال - صلى الله عليه وسلَّم -: ((لا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلا يَشْرَبُ الخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلا يَسْرِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، ولا يَنْتَهِبُ نُهْبَةً يَرْفَعُ النَّاسُ إلَيْهِ فِيهَا أَبْصَارَهُمْ حِينَ يَنْتَهِبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ))؛ متفق عليه.
ولا عجب في هذا العقاب لأن جناية الزنا على الأعراض والأنساب، والفرد المجتمع أكير من أن ينبه عليها، ومن ثمّ أَجْمع أهلُ المِلَل وجَميعُ العُقلاء على تَحريمه، فلم يحلَّ في ملَّة قطّ، وذلك لما يجلب على المجتمعات سخطَ الله وعقابَه، وإشاعة البغضاء بين النَّاس واختِلاط الأنساب، وضياع العفَّة وانتِشار كثيرٍ من الجرائِم والأمراض القتَّالة كالإيدز وغيْرِه، وقد حذَّر الله من الزّنا بقوله سبحانه: {وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً} [الإسراء: 32]؛ ولذا كان حدّه أشدَّ الحدود؛ قال الله تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ المُؤْمِنِينَ} [النور: 2]، وقال النَّبيّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((البِكر بالبِكر جَلْدُ مائةٍ وتَغريبُ عام، وعلى الثَّيّب الرَّجم))؛ رواه مسلم وأبو داود والتّرمذيّ وابْنُ ماجه، وهذا لفظُ ابن ماجه.
وقد أخبر النبي – صلى الله عليه وسلم - ببعض عذابُهم في البَرزخ حتَّى تقومَ السَّاعة - نسأل الله العافية، كما روى البُخاريّ في حديث المِعراج، أنه: ((رأى رجالاً ونساءً عُراةً على بناءٍ شبه التنّور، أسفله واسع، وأعلاه ضيّق، يوقَد عليهم بنارٍ من تَحتِه، فإذا أوقدت النَّار ارْتَفعوا وصاحوا، فإذا خَبَتْ عادوا، فلمَّا سأل عنهم؟ أُخْبِر أنَّهم هم الزّناة والزَّواني)).
فالواجبُ عليكِ المبادرةُ بالتَّوبة النَّصوح إلى الله من هذا الجُرم العظيم الذي اقترفتِه، مع صِدْقِ الأوبة إلى الله تعالى، والنَّدمُ والعزم على عدم العَوْد؛ فإِنَّ الله يُحبّ التَّوّابين ويُحبّ المُتطهّرين؛ قال عزَّ وجلَّ بعد ذكر عقوبة الزَّاني: {إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً} [الفرقان: 70].
عن ومن لوازم التوبة: الإقلاع عن الذنب، والابتعاد عن تلك الفتاة وإلا فسوف تعود للذنب.
واحذر من التمادي فيمكر الله بك ولا تستطيع العودة؛ فالله سبحانه قريب من قلب العبد، ولا تخفى عليه خافية، فهو سبحانه بينه وبين قلبه؛ وقال: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} [الأنفال: 24].
فكل من تثاقل عن الاستجابة وأبطأ عنها فلا يأمن أن الله يحول بينه وبين قلوبه فلا يمكنه بعد ذلك من الاستجابة، عقوبة له على تركها بعد وضوح الحق واستبانة؛ وكما قال سبحانه: { وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} [الأنعام: 110] وقوله {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [الصف: 5]، ففي هذه الآيات ونحوها تحذير عن ترك الاستجابة إلى الله بالتوبة والعمل الصالح، وأن سوء الخاتمة هي عاقبة ذلك.
قال الإمام ابن القيم في كتابه "الفوائد"(ص: 132): "فأخبر أنه عاقبهم على تخلفهم عن الإيمان لما جاءهم وعرفوه وأعرضوا عنه بأن قلب أفئدتهم وأبصارهم وحال بينهم وبين الإيمان؛ كما قال تعالى يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم واعلم أن الله يحول بين المرء وقلبه فأمرهم بالاستجابة له ولرسوله حين يدعوهم إلى ما فيه حياتهم ثم حذرهم من التخلف والتأخر عن الاستجابة الذي يكون سببا لأن يحول بينهم وبين قلوبهم قال تعالى {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [الصف: 5]، وقال تعالى {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [المطففين: 14]، فأخبر سبحانه أن كسبهم غطى على قلوبهم وحال بينها وبين الإيمان بآياته، فقالوا أساطير الأولين، وقال تعالى في المنافقين: {نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ } [التوبة: 67]، فجازاهم على نسيانهم له أن نسيهم فلم يذكرهم بالهدى والرحمة، وأخبر أنه أنساهم أنفسهم فلم يطلبوا كمالها بالعلم النافع والعمل الصالح، وهما الهدى ودين الحق فأنساهم طلب ذلك ومحبته ومعرفته والحرص عليه عقوبة لنسيانهم له، وقال تعالى في حقهم { {أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ* وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ} [محمد: 16، 17]، فجمع لهم بين اتباع الهوى والضلال الذي هو ثمرته وموجبه، كما جمع للمهتدين بين التقوى والهدى". اهـ.
هذا؛ والله أعلم.
- المصدر: