حكم قول ان شاء الله في الدعاء
خالد عبد المنعم الرفاعي
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته شكرا مقدما على جهودكم المبذولة جعلها الله في ميزان حسناتكم. اما بعد: كما تعلمنا قول ان شاء الله في الدعاء محرم لما فيه من إساءة الأدب مع الله عز وجل والكثير من الأسباب ولكن في الدعاء الوارد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الدعاء للمريض (لا بأس طهور إن شاء الله) فهذه تحتوي على قول ان شاء الله في الدعاء وقد التبس الأمر لدي وخاصة أن هذه الكلمة كثير ما تقال في الدعاء ارجو منكم الرد وجزاكم الله خيرا
الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ ومن والاهُ، أمَّا بعدُ:
فقد نهى الشارع الكريم عن تعليق الدعاء بالمشيئة لما فيه من إيهام الاستغناء عن مغفرة الله ورحمته، وأمره أن يجزم بالمسألة؛ ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يقولن أحدكم: اللهم اغفر لي إن شئت، اللهم ارحمني إن شئت، ليعزم المسألة، فإنه لا مكره له"، وفي رواية لمسلم: "ولكن ليعزم وليعظم الرغبة، فإن الله لا يتعاظمه شيء أعطاه".
قال أبو العباس القرطبي في "المفهم"(7/ 29):
"إنما نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن هذا القول؛ لأنَّه يدل على فتور الرغبة، وقلة التهمم بالمطلوب، وكأن هذا القول يتضمن: أن هذا المطلوب إن حصل، وإلا استغني عنه، ومن كان هذا حاله لم يُتحقق من حاله الافتقار والاضطرار الذي هو روح عبادة الدعاء، وكان ذلك دليلاً على قلة اكتراثه بذنوبه، وبرحمة ربه، وأيضًا فإنَّه لا يكون موقنًا بالإجابة، وقد قال صلى الله عليه وسلم: "ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، واعلموا أن الله لا يستجيب دعاء من قلب غافل لاه"، ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكتف بالنهي عن ذلك حتى أمر بنقيضه فقال: ليعزم في الدعاء، أي: ليجزم في طلبته، وليحقق رغبته ويتيقن الإجابة؛ فإنَّه إذا فعل ذلك: دل على علمه بعظيم قدر ما يُطلب من المغفرة والرحمة، وعلى أنه مفتقر لما يطلب، مضطر إليه، وقد وعد الله المضطر بالإجابة بقوله: {أَمَّن يُجِيبُ المُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ}.
وقوله: "فإنَّ الله صانع ما شاء لا مكره له"، إظهار لعدم فائدة تقييد الاستغفار والرحمة بالمشيئة؛ لأنَّ الله تعالى لا يضطره إلى فعل شيء، دعاء ولا غيره، بل يفعل ما يريد ويحكم ما يشاء، ولذلك قيد الله تعالى الإجابة بالمشيئة في قوله: {فَيَكشِفُ مَا تَدعُونَ إِلَيهِ إِن شَاءَ}، فلا معنى لاشتراط مشيئته فيما هذا سبيله.
أما قول النبي للأعرابي: "لا بأس، طهور إن شاء الله"، فليس من باب الدعاء وإنما هو خبر ورجاء؛ لأن المرض قد يكون طهور لبعض الناس دون بعض، فمن صبر واحتسب غفر له، ومن غضب وتسخط على أقدار الله عز وجل لم يطهره المرض.
التوضيح لشرح الجامع الصحيح (33/ 397):
"وأما قوله للأعرابي: "لا بأس عليك، طهور إن شاء الله"، فإنما أراد به بأسه من مرضه؛ فإن الله يكفر ذنوبه ويقيله ويؤخر وفاته، فوقع الاستثناء على ما رجا لَهُ من الإقالة والفرج؛ لأن المرض معلوم أنه كفارة للذنوب، وإن كان الاستثناء قد يكون بمعنى رد المشيئة إلى الله تعالى، وفي جواب الأعرابي ما يدل على ما قلناه، وهو قوله: "بل حمي تفور على شيخ كبير تزيره القبور"، أي: ليس كما رجوت من الإقالة.
وقوله: "فنعم إذا" دليل على قوله: "لا بأس عليك"، أنه على طريق الرجاء لا على طريق الخبر عن الغيب.
هذا؛ والله أعلم.