هل تلفظ الزوجة بالكفر يفسخ عقد الزواج ؟
صديقي تشاجر مع زوجته وخلال المشاجرة سألها سؤال فردت عليه بالتالي : (أنا لا أسمح لله أن يسألني هذا السؤال) أو قالت (لو سألني الله هذا السؤال لا أجيبه عليه) ثم طلبت منه الطلاق في نفس المجلس فطلقها طلقة : السؤال الأول: هل انفسخ عقد الزوجية بينه وبينها لأنها تلفظت بالكفر ؟ مع العلم أنها كانت عالمة ما تقول وبعد ذلك توضأت وصلت ودعت الله . السؤال الثاني: هل تحتسب الطلقة التي طلقها إياها ؟ السؤال الثالث: ماذا يجب على الزوج في حال انفساخ العقد لو أحب أن يرجعها ، هل يجب تجديد عقد النكاح ؟ أرجوكم الرد
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:
فإن كان الحال كما ذكرت فإن الطلاق يقع، وهو مذهب الشافعية ورواية للحنابلة، حيث نصوا على أن الفرقة تتوقف على انقضاء العدة، فإن تابت أثناء العدة رجعت لزوجها بدون عقد، ولحقها طلاقه أثناء فترة التوقف.
قال ابن قدامة في "المغني"(7/ 174): "اختلفت الرواية عن أحمد، فيما إذا ارتد أحد الزوجين بعد الدخول، حسب اختلافها فيما إذا أسلم أحد الزوجين الكافرين، ففي إحداهما تتعجل الفرقة، وهو قول أبي حنيفة، ومالك، وروي ذلك عن الحسن، وعمر بن عبد العزيز، والثوري، وزفر، وأبي ثور، وابن المنذر؛ لأن ما أوجب فسخ النكاح استوى فيه ما قبل الدخول وبعده، كالرضاع.
والثانية، يقف على انقضاء العدة، فإن أسلم المرتد قبل انقضائها، فهما على النكاح، وإن لم يسلم حتى انقضت، بانت منذ اختلف الدينان، وهذا مذهب الشافعي؛ لأنه لفظ تقع به الفرقة، فإذا وجد بعد الدخول، جاز أن يقف على انقضاء العدة، كالطلاق الرجعي، أو اختلاف دين بعد الإصابة، فلا يوجب فسخه في الحال، كإسلام الحربية تحت الحربي، وقياسه، على إسلام أحد الزوجين أقرب من قياسه على الرضاع". اهـ.
وجاء في "مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى" (5/ 308):
"(وإن ارتدت، ثم طلقها، وكان ذلك قبل دخول بها)، بانت بالردة، و (لم يقع) الطلاق؛ لأن البائن لا يلحقها طلاق، وإن كان طلقها بعد ردتها (وبعده) أي: الدخول بها فإنه (يوقف الأمر) على انقضاء العدة (فإن أسلمت قبل انقضاء العدة وقع) الطلاق؛ لأنا تبينا أنها كانت زوجته حينه، (وإلا) تسلم بأن أقامت على ردتها حتى انقضت عدتها (فلا) يقع الطلاق؛ لأنا تبينا أنها لم تكن زوجة حين طلقها". اهـ.
إذا تقرر هذا، فهذه الطلقة تحسب من طلاق تلك الزوجة لأنها تاب قبل انقضاء عدتها.
أما ما يجب فعله عند ردّ الزوجة فهو إعلامها بردها والإشهاد على الرجعة، ولا يجب تجديد عقد الزواج.
قالَ ابنُ قدامةَ في "المغني" (ج 17 / ص 72):
"فأمَّا القولُ، فتحصُلُ به الرجعةُ، بغيرِ خلافٍ.
وألفاظُهُ: راجعتُكِ، وارتجعتُكِ، ورددتُكِ، وأمسكتُكِ؛ لأن هذه الألفاظَ وَرَدَ بها الكتابُ والسنةُ، فالردُّ والإمساكُ، وَرَدَ بهما الكتابُ بقولِهِ - سبحانه -: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ}". اهـ.
وقد دلت الشريعة الإسلامية على وجوب الإشهاد؛ كما قال تعالى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ} [الطلاق: 2]، رواه أبو داود وابن ماجه عن عمران بن حُصين: سئل عن الرجُل يطلِّقُ المرأة ثمَّ يقع بِها، ولَم يُشْهِد على طلاقِها ولا على رجْعَتِها، فقال: "طلَّقت لغير سنَّة، ورجعتَ لغيْرِ سنَّة، أشهِدْ على طلاقِها، وعلى رجْعَتِها، ولا تعُدْ"، وقول الصحابي من السنة كذا ونحوها له حكم الرفع لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال شيخ الإسلام ابن تيميَّة في "مجموع الفتاوى" (33/ 33): "فأمرَ بالإشْهاد على الرَّجعة، والإشهاد عليْها مأمورٌ به باتِّفاق الأمَّة، قيل: أمر إيجاب، وقيل: أمر استحباب، وقد ظنَّ بعض النَّاس أنَّ الإشهاد هو الطَّلاق، وظنَّ أنَّ الطَّلاق الذي لا يُشْهَد عليه لا يقع، وهذا خِلاف الإجماع، وخِلاف الكتاب والسنَّة، ولم يقل أحدٌ من العلماء المشْهورين به؛ فإنَّ الطَّلاق أذن فيه أوَّلاً، ولم يأمر فيه بالإشهاد، وإنَّما أمر بالإشْهاد حين قال: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2]، والمراد هنا بالمفارقة: تخْلية سبيلِها إذا قضت العدَّة، وهذا ليْس بطلاق ولا برجعةٍ ولا نكاح، والإشهاد في هذا باتِّفاق المسلمين، فعُلم أنَّ الإشْهاد إنَّما هو على الرجعة". اهـ.
هذا؛ والله أعلم.
- المصدر: